حسن اليمني
في حين ترى مؤسسة ستراتفور الأمريكية للتنبؤات الإستراتيجية أن روسيا معرضة للانهيار في العقد القادم في تقرير لها حول رؤيتها للعالم بعد عشر سنوات من الآن، إلا أن الواضح أكثر أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر احتمالية على الأقل في التلاشي التأثيري الفاعل في العالم، وربما ظهرت بوادر هذا الاتجاه منذ رشح السيد باراك أوباما للانتخابات الأمريكية
والتي فاز بها على مرشح الجمهوريين جون ماكين، إذ ينظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما مترددة ومنطوية على ذاتها أكثر من أي وقت مضى برغم حضورها في بعض الأزمات وخاصة في أوكرانيا، وإن بدرجة أقل من الماضي، في حين نشهد للجمهورية الروسية في عهد الرئيس بوتين حضوراً أقوي من ذي قبل وإن كان حضوراً ناعماً بعكس ما عرف عن الاتحاد السوفييتي قبل أن يتفكك.
وما يهمنا في المملكة العربية السعودية هو أن العلاقة الإستراتيجية المتينة مع الولايات المتحدة الأمريكية هي علاقة راسخة تحكمها المصالح المشتركة، حالها حال أي علاقة مع دول أخرى وإن كسبت تميزاً وخصوصية عن غيرها. وفي زيارة سمو ولي ولي العهد الأخيرة لروسيا كان لتفعيل العلاقة السعودية الروسية أهمية بالغة، وإن كانت قد تأخرت كثيراً رغم أهميتها، وبهذه الزيارة وما تضمنته من اتفاقيات تؤسس أرضية مشتركة لعلاقة متينة أملتها المصالح الحيوية لكلا الدولتين، يتكامل النهج الإستراتيجي للسياسة السعودية بعد تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم والذي ابتدأ بوضوح بالفعل السياسي والعسكري في عاصفة الحزم، وهو أخذ زمام المبادرة لحماية الأمن القومي والوطني إزاء فوضى عمّت المنطقة وطالت دون أن يتحقق أو تظهر أي بوادر حقيقية باتجاه الحلول ووقف نزيف الدم الذي عمَّ بلداناً عربية وأدخلها في أتون حروب دموية.
إن روسيا وهي أكبر منتج للنفط خارج (أوبك) في حاجة - لا شك - للتوافق مع أكبر منتج للنفط داخل (أوبك)، والعكس - لا شك - صحيح أيضاً، كما أن وجود الأثر الفاعل لروسيا في أزمات المنطقة ومساراتها يقابله الاهتمام السعودي بإدارة هذه الأزمات والسعي لإطفائها، وانشغال الولايات المتحدة بعقد اتفاقية مع إيران حول مفاعلها النووي دون الأخذ بالاعتبار تدخلاتها السافرة في المنطقة العربية ومدى خطورة ذلك على الأمن القومي العربي هو أيضاً محل اهتمام سعودي روسي، وبالتالي فإن التلاقي السعودي الروسي صار مهماً وضرورياً لكلا الطرفين، وهو لا يؤسس لعلاقات مؤقتة أو مرحلية بل إن الجيو سياسي في المنطقة والعالم يحتم وجود هذه العلاقة ويرسخها ويرقى بها إلى الرسوخ الإستراتيجي المستدام، وإذا نظرنا إلى معطيات العقد القادم من شواهدها الحالية والتي رأت فيها تلك المؤسسة الأمريكية إن بعض الدول العربية في سقوط حر فعلياً، وهو صحيح ومشاهد في سوريا والعراق وليبيا واليمن ودول عربية أخرى تتجه نحو هذا المسار - بكل أسف - دون أن تبدي الولايات المتحدة الأمريكية الاهتمام المستحق والتفاعل الحقيقي المؤثر مع استقراء تلك المؤسسة لانهيار القوة الأمريكية الفاعلة خلال العقد القادم مع بقائها قوة مهابة ضمن حدودها يعطي أهمية بالغة لبناء علاقة إستراتيجية متينة مع الاتحاد الروسي، ما يعني رؤية ثاقبة للقيادة السعودية لا قتها رؤية مطابقة من الجانب الروسي في توجه فاعل وقوي قادر - بإذن الله - على أن يغير المعادلات المختلة التي عانى منها الوطن العربي بشكل صار يهدد أمنها بدرجة لا تحتمل مع غياب عربي تام، لو لا أن منّ الله على هذه الأمة بقيادة سعودية تقود المنطقة اليوم بخطى ثابتة واثقة.
إن لروسيا - وهي تعود مجدداً بديلاً عن الاتحاد السوفييتي - وجود مؤثر في منطقتنا العربية، نريدها عاملاً مساعداً ومعيناً للمنطقة على إطفاء حرائقها، وهي فرصة نادرة هذه المرة وهي تحظى بعلاقات قوية مع الدول العربية كافة بما فيها الأطراف المتناقضة مع غياب التصارع بين المعسكرين الشرقي والغربي، ما يتيح للاتحاد الروسي إيجابيات اقتصادية وتنموية وتجارية تدعم موازنتها وأمنها واستقرارها متى أدركت قيمة هذه الفرصة التي سنحت لها بفعل العواصف السياسية والعسكرية التي خلخلت أمن واستقرار المنطقة منذ العام 1990م، ولا بديل لها عن الشراكة الإستراتيجية المتينة مع دول المنطقة العربية وخاصة دول الخليج العربي، وهو ما أرى أنه سيقلب رؤية وقراءة مؤسسة ستراتفور الأمريكية رأساً على عقب، ليغدوا العقد القادم مختلفاً جداً عمّا ربما يراد له من بعض القوى.