د. عبدالرحمن الشلاش
اختلطت الصور في ذهني وأنا أتابع عبر الوسائل الإعلامية المختلفة تفاصيل التفجير الدامي لمسجد الإمام الصادق بدولة الكويت الشقيقة والذي راح ضحيته العشرات من الأبرياء. استحضرت في ذات اللحظة صورة قديمة نوعا ما وإن كانت تبدو لي وكأنها حدثت بالأمس القريب كون مسلسل التغرير بالشباب يتكرر طيلة السنوات الماضية بنفس السيناريو.
أذكر قبل عشر سنوات تقريبا أن أحد الشباب الناشطين في العمل الإسلامي كما يدعي اتصل بي وطلب مني السماح له مع بعض الشباب بزيارتي في منزلي دون أن يوضح لي هدف الزيارة الحقيقي وإنما ردد لي أثناء المكالمة بأنها زيارة ودية. وافقت على طلبه وعند حضوره كان برفقته اثنين من الشباب رحبت بالجميع. قدم لي طالب الزيارة زملائه وبدأ من حوارهم أنهم حديثو عهد بهذا العمل الذي يصفونه بأنه يدخل ضمن الدعوة إلى الله. تحدث أحدهم عن ادعاء الأمريكان الصعود للقمر وقال إن هذه كذبة أمريكية وعندما قلت له بأن هذا الأمر ثابت ولا يحتاج لدليل قاطعني وقال بل الدليل يكذبهم ولك أن تفترض لو مات أحدهم كيف سيتم دفنه هناك ونحن نعلم بانعدام الجاذبية على سطح القمر إضافة إلى تعارض هذا مع الآية الكريمة حيث قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} أي الأرض وعليه فلا يمكن أن يموت أحد من الناس خارج كوكب الأرض. أثناء ترتيبي لأفكاري باغتني الضيف الثاني بكلام مفصل عن الأعداء من اليهود والنصارى وضرورة النفرة لقتالهم وعدم الرضا بالقعود وكأنه يلمح لي، في هذه الأثناء أصلح طالب الزيارة من جلسته ورفع فنجال القهوة الذي يحتسيه عاليا ثم أقسم بقوله والله ونحن جلوس هنا نشرب القهوة فإن الشهداء الآن وفي هذه اللحظة يتنعمون في الجنة ونحن قاعدون في هذه الدنيا وذكر الحور العين، وأن المجاهد بمجرد ما يستشهد يصعد إلى الجنة مباشرة يسبح في أنهارها ثم وجه لي دعوة في نهاية الزيارة للالتحاق بالمجاهدين وكذا التأثير على القريبين مني. بطبيعة الحال قابلت دعوته بعدم القناعة بها جملة وتفصيلا.
بهذا السيناريو حيث يزهد الشباب في الحياة وعمارة الأرض التي أمر الله بها ويوجهون للقتل والتدمير بحوافز لا يملكونها وهي في علم الله من وعود بدخول الجنة مع الشهداء رغم أنهم يقتلون أنفسهم ويقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق.
تداعت في ذهني صور شباب في عمر الزهور يزج بهم في عمليات انتحارية لقتل المصلين الساجدين وعمليات لتهريب الأسلحة وإيواء الإرهابيين حاولت ربطها بقصتي مع الشباب وكيف يتنامى هذا الفكر الضال. شاب صغير نفذ العملية الإرهابية اسمه فهد سليمان القباع استمعت لكلامه عبر تسجيل له قبل قتله لنفسه والمصلين في مسجد الإمام الصادق فأسفت كيف تم غسل دماغه بهذه الطريقة المفزعة والتي حولته لكتلة من الحقد والكراهية وجهوزية لتنفيذ أي عمل إجرامي ! من الذي ضمن له الجنة ؟ وكيف انساق خلف هذه الإغراءات ؟ والأهم أين الدور والعمل المضاد لحمايته وغيره من الشباب من الوقوع في أفخاخ التغرير؟ أسرته لا تعلم وأعلنت براءتها منه ولا أحد يعرف به إلا بعد التفجير ما يعني أن هناك حلقات مفقودة وحتى يتم العثور عليها سيظل الباب مفتوحا لمزيد من المغامرين والله يستر.