د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يتعين على الشرق الأوسط أن يوفر 100 مليون فرصة عمل جديدة خلال العقد القادم، وهي ما تمثل تحديا أمام السياسيين والاقتصاديين، لأن نسبة البطالة بين الشباب في العالم العربي30 في المائة، وواحد من كل أربعة عاطلين عن العمل.
لم يعد القطاع العام الذي يعاني ترهلا وعدم الكفاءة مستعدا لمواجهة المرحلة القادمة، ما يجعل التحدي التنموي طويل الأجل والمتمثل في التنوع الاقتصادي،
ومن دون تطوير القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية فلن يتحقق الرخاء الاقتصادي.
الكل يتحدث في العالم العربي عن الإصلاح السياسي، ورغم أهميته إلا أن الإصلاح الاقتصادي ليس حديثا شعبيا، وعندما دعت لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي في زيارتها الأخيرة للمنطقة العربية في الأردن إلى مراجعة الإنفاق الحكومي والدعم المعتل وارتفاع المديونية بما يحقق عدالة وكفاءة أكبر ونموا شاملا فلم يتمكن وزراء المالية العرب من الرد على لاغارد بسبب أن الإصلاح في زمن صعب وبسبب غياب الرؤية الاقتصادية والإقليمية .
الدول العربية بحاجة إلى ابتداع طريقة خاصة لتصل إلى حلول مبتكرة للإصلاح في نظامها الاقتصادي الحكومي يتزامن هذا الإصلاح مع تحفيز الطاقات المحلية لجذب الاستثمارات لخلق مشاريع ذات جدوى قادرة على توليد وظائف جديدة تستوعب البطالة والخريجين الجدد التي هي أخطر عوامل الاستقرار السياسي وهي عملية تحتاج إلى مهارة سياسية مع واقعية اقتصادية .
طموحات المواطنين في جمهوريات الانتفاضات العربية الحصول على فرص اقتصادية أفضل وأكثر عدالة .
فبعد أن كانت السياسات منصبة على الحفاظ على الاستقرار السياسي مع اتخاذ تدابير لتخفيف الآلام الاقتصادية والضغوط الاجتماعية على المدى القصير ولكنها لم تحقق تعزيز النمو ولا توظيف العمالة على أساس قابل للاستمرار
هناك رؤية شاملة للسياسات متوسطة الأجل يمكنها تحقيق النمو ، تهدف إلى تغطية الميزانية مجالات الأكثر دعما للنمو ، بجانب الإصلاحات العميقة لتنشيط القطاع الخاص. لا يمكن للدول العربية أن تبقى في مرحلة الانتقال إلى الأبد، بل على الدول وعلى الحكومات المؤقتة البناء للمستقبل بعيد الأمد، ولهذا المستقبل أسس اقتصادية في غاية الأهمية.
وغاب عن وزراء مالية العرب رؤية القواسم الاقتصادية الإقليمية المشتركة، وأن العالم العربي يتمتع بموقع استراتيجي مميز، ويضم هذا الموقع المميز 350 مليون نسمة، إلا أنه من أكثر مناطق العالم انقساما من حيث الروابط في الإنتاج والتجارة. ويتصف بضعف الترابط بين أسواقه الإقليمية، ولا تزال نسبة التجارة البينية لا تزيد كثيرا عن10 في المائة وهي نفس النسبة في الستينات من القرن الماضي، ما يعد فشلا اقتصاديا له تداعياته الخطيرة على شعوب المنطقة العربية.
القواسم الاقتصادية الإقليمية المشتركة هي المحرك الاقتصادي الحقيقي، ومحرك النمو والتنمية والتنوع الاقتصادي وتحقيق وفورات الحجم، وهي القادرة على استيعاب البطالة المرتفعة في المنطقة العربية. فالأسواق المجزأة هي أسواق صغيرة ومحفوفة بالمخاطر وتخشى الاستثمارات من الدخول إليها بسبب أنها بيئة سلبية لغياب المساواة والتنسيق فيما بين الدول، وضعف ترابط البنية التحتية بين الدول بل ضعف البنية التحتية في الدولة الواحدة التي حرمت الدولة والدول بالفوائد مما تعزز من التكامل والفوائد المشتركة.
ولقد شاركت في الملتقى الرابع للجغرافيين العرب بالمغرب عام 2006 بموضوع ( مدى نجاح نمو التجارة البينية العربية في ظل غياب استراتيجية في عصر العولمة) وقدم البحث في الجلسة الافتتاحية للملتقى وأوضح البحث كيف أن تجارة المغرب مع دولة كسوريا في ذلك الوقت أكبر من حجم التجارة مع دولة جارة كالجزائر بسبب الخلافات السياسية حول الصحراء فكانت عائقا أمام التجارة بين البلدين.
تعاني بلدان التحول العربي وحتى دول الخليج تشرذما اقتصاديا رغم موقعها الجغرافي المتميز الذي يقع في الوسط وعلى مفترق الطرق العالمية ويتصل بأسواق أوربا وآسيا وإفريقيا ، وتقع على سواحل ممتدة وكبيرة بتكاليف نقل منخفضة ، رغم ذلك تحول المشهد الاقتصادي في بلدان التحول العربي ودول الخليج إلى مشهد قاحل وعقيم بسبب الاعتماد على الموارد الطبيعية وقفل الحدود أمام التبادل التجاري.
وتفتقر دول التحول العربي إلى مشهد الكتلة الاقتصادية بسبب العديد من المعوقات والحواجز الجغرافية البنيوية التي وقفت عائقا أمام حركة السلع والعمال عبر الحدود حرمت الشعوب العربية من الرخاء الاقتصادي وانكماش الطبقة الوسطى في اتجاه الطبقة الفقيرة.
رغم أن الانتفاضات العربية في دول التحول العربي أعاقت الاستقرار السياسي إلا أنها رسخت بداية للتغيير ، والآن تدعو التحولات الديموغرافية والسياسية إلى منطق جديد من التكامل الاقتصادي بعد النظر إلى التكاليف المتعددة للتشرذم التي تسببت في فشل تنمية القطاع الخاص، أي أن الإخفاق لم يكن فقط في السياسات الاقتصادية الوطنية بل كانت في إخفاق السياسات الإقليمية، لأن الأسواق المحدودة كانت بمثابة مصدر ضرر للقطاع الخاص .
وحتى ننقل القطاع الخاص من الهامش إلى المحور، والوصول إلى جميع أنحاء العالم العربي ، وتيسير أجندة التعاون الاقتصادي الإقليمي على نحو يتجاوز القيود الحصرية لدول المجموعة مثل المغاربية ودول مجلس التعاون الخليجي .
فيحتاج العالم العربي إلى قواسم سياسية مشتركة، وكذلك إلى قواسم اقتصادية إقليمية مشتركة تعمل كبيئة إقليمية قادرة على تنظيم المشروعات الرائدة الخاصة والمشتركة في تحريك عجلة النمو والتنمية الاقتصادية في المنطقة العربية.