عبدالحفيظ الشمري
بعد مضي هذه الأيام من شهر الخير والبركة رمضان لا بد لنا أن نتأمل ما قدمناه من أعمال في أيامه التي خلت، وأن نقدم كشف حساب إنسانيا، نتبين من خلاله مواطن القوة والضعف فيما قدمناه من عطاء، وحضور، ولنتعرف معاً على مدى الاستفادة من صيامه وقيامه وأيامه ولياليه؟
وأبرز ما يمكن تقييمه في هذه الأيام يتمثل في تفاصيل أعمالنا وواجباتنا.. وهل كانت في الجانب المأمول؟ وكيف لنا أن نتطلع إلى ما تبقى من أيام هذا الشهر الكريم، لعلنا نتدارك ما يمكن تداركه، لنكسب الأجر والثواب والسعادة؟ وكيف نُقَيِّمُ ما نزعم أنها منافع وفوائد رمضانية؟
فكل ما سبق من أسئلة لا شك أنها مهمة، وتستدعي الاستفادة من تجربة رمضان؛ شهر الصيام والخير والقرآن التي يحتفل به العالم الإسلامي، ويقدر هذه المناسبة العظيمة خير تقدير، لأنها فرصة حيوية ومهمة لتعزيز قيمنا الدينية والروحية والاجتماعية والإنسانية.
كما يجدر بنا - وبعد مضي أكثر من نصف أيام هذا الشهر الكريم - أن نُقيِّم كل ما هو مادي ومعنوي في حياتنا، ونتأمل تفاعلات الحياة وإرهاصاتها، وهدوء الناس، وسكينتهم في هذه الأيام المباركة، ولاسيما وأنهم يقضونها هذا العام في ظل إجازة الطلاب والمعلمين، مع وجود ذروة أيام الصيف في بلادنا، حيث تميل هذه الأجواء بشكل عام إلى الهدوء أو الانكماش نهاراً والانتعاش ليلاً، مما يعني أن أيام رمضان تضفي على هذه المناسبات مزيدا من ألق الحضور.
إلا أن ما تتطلبه أيام رمضان، وما تذهب إليه كل الرؤى الخلاقة أن يكون هذا الشهر، أو هذه الأيام تسير بشكل اعتيادي؛ لا مبالغة فيها بتحضير الأطعمة، والنهم الشرائي، والشره المادي، مع المحاولات الجادة في عدم المكوث الطويل أمام التلفاز، وأجهزة التواصل الاجتماعي، وتوزيع الوقت بما يعود بالنفع على الإنسان في هذا الشهر الفضيل.
وحينما نتأمل فرصة (مشاهدة التلفاز) فإن الأمر يحتاج منا إلى تفصيل وتعمق من أجل الخروج برؤية واقعية، وتقديم كشف حساب أو تقييم حقيقي لماهية المشاهدة ولاسيما وأن المنجز الدرامي والتمثيلي في الأعمال التلفزيونية قد لا يحقق نتائج مجدية حينما يكون المشاهد أمام هوية تجارية صرفة، يمثلها التزاحم الإعلاني الذي لا يمكن لأي احد أن ينكر وجوده، إلا أنه يحتاج إلى تقنين من أجل أن تكون المشاهدة مفيدة ونافعة.
فالعمل الدرامي والتمثيلي في البرامج التلفزيونية قد تبتعد هذه الأيام عن تمثل الخطاب الإنساني والاجتماعي، ليفتقد المشاهد في ليالي رمضان الذاكرة الشعبية التي تُعد رؤية ومعيناً لا تنضب من العطاء والقصص والمدونات التي تحتاج إلى كتابة راقية، تخدم العمل الدرامي والتمثيلي.. فإن غاب هذا الأمر عن التلفاز، فلا بد له أن يظهر عبر الإذاعة، لأن العمل الإذاعي مؤهل لأن ينقل العمل التراثي، ويقدمه بشكل فريد، ليحفظه من الضياع والنسيان.
ومن ينظر إلى الأعمال الفنية والتمثيلية في رمضان من داخل أروقة الإعداد والإخراج والتمثيل يكتشف أنها تعاني فعلاً من خلل في بنائها وتكوينها؛ ليتجسد في ركائز ثلاث نزعم أنها مهمة هي: أزمة النص، وندرة التمويل، وغياب الممثل الجاد، فحينما تعالج هذه الإخفاقات الثلاث سيعود العمل الدرامي إلى مكانته المتميزة محققاً معادلة المتعة والفائدة.