سعد بن عبدالقادر القويعي
لا يختلف اثنان في عالم السياسة، بأنه الرجل صاحب الكاريزما الأخّاذة في عالم الديبلوماسية، ودهاليز السياسة. فقد كان نسقاً آخر في عالم السياسة، باعتبار أن الغاية لديه تتمحور حول تحقيق مصالح بلده، ووسائله في ذلك صدق العبارة، ووضوح الهدف، وسلامة المقصد في استنكار المنكر، ورفض الطغيان.
رحل - الأمير - سعود الفيصل السياسي المحنك، والرقم الأصعب، والذي أتقن ست لغات غير العربية بدءاً بالإنجليزية، والفرنسية، ومروراً بالإيطالية، والألمانية، وانتهاء بالإسبانية، والعبرية، كونها اللغات المسيطرة فى عالم السياسة، والاقتصاد؛ ومن أجل أن يلعب دوراً مهماً في تشكيل موقف المملكة من كثير من الأزمات، التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط؛ ولتنفتح ممارساته على الكون بحضاراتها، وأنظمتها، وتعقيداتها، وقضاياها المصيرية.
غادرنا فجأة بلا استئذان صاحب الشخصية المميزة، والتصريحات المقتضبة، قبل يوم واحد - فقط - من الذكرى السنوية للإعلان الشهير، الذي اتخذه والده الراحل - الملك - فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله- حين أمر بحظر الصادرات النفطية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو القرار الذي تضامنت معه عدد من الدول العربية؛ نظير الدعم الأمريكي لإسرائيل إبان حرب أكتوبر، عن عمر يناهز الـ75 عامًا.
ستبقى خالداً في التاريخ، مثلما خلّد مواقف والدك الفيصل، وستبقى أعمالك شاهدة على وجودك بيننا. فموتك لن ينسينا وزير خارجيتنا المخضرم، ورمز ديبلوماسيتنا، التي أدهشت العالم ببعد نظرها، واستشرافها للمستقبل؛ ولأنك كنت تعرف التوقيت المناسب للتسامح، مثلما الوقت الأفضل للحزم، فقد جسدت سياسة بلدك، وحكمة قيادتك في أصعب المواقف؛ حتى شهدت لك أسماء تاريخية بعبقريتك، أو ممن كان لهم أثر في تاريخ السياسة العالمية.
لا زلت أذكر وقفتك الصادقة التي احتاج إليها التاريخ ، وفرضها دماء الشهداء في سوريا، وقراءتك للغة خطاب - الرئيس الروسي - فلاديمير بوتين للقمة العربية، والتي انعقدت في شرم الشيخ المصرية، فأكدت - من خلال - رسالتك على ضرورة اتباع سياسات متزنة في المنطقة، تقوم على تعزيز المصالح، والعمل على تحقيق الغايات المتبادلة؛ من أجل تفعيل الأدوار الخارجية، ومواجهة التحديات المركبة، وتعظيم المنافع المشتركة، بعيداً عن تدشين محاور المناكفات، والمشاغبات السياسية، بعد أن شكلت الأزمة السورية نقطة اشتباك بين نظم إقليمية، وأخرى دولية في لحظات التحولات الإستراتيجية، والإقرار بمصالح متناقضة من ناحية، ومصالح مشتركة من ناحية أخرى.
سنستذكر سيرة أقدم وزير خارجية في العالم، وذلك عندما خدم بلاده على مدى أربعة عقود، وخلال فترات حكم خمسة ملوك، ابتداء من والده - رحمه الله -، وانتهاء بعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - ؛ ليكون بحق عرّاب الخارجية السعودية، إذ بحضوره تؤرخ كثير من الأحداث، وبغيابه تؤرشف أحداث أخرى. فرحمك الله يا صاحب المواقف الحازمة في أحداثها الحاسمة، وأسكنك فسيح جناته، وظللك في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وجعلك من الكرام البررة، ومن المقربين في الدرجات العلا.