سعد بن عبدالقادر القويعي
تشهد العلاقات السعودية الروسية تحسنا كبيرا في هذه المرحلة، بل وتأسيسا لحقبة سياسية جديدة ؛ بما يخدم مصالح الدولتين، وعدم تأثرها بالقضايا الخلافية مهما كان التباين، - لاسيما - بعد الفجوة التي أصابت تلك العلاقات ؛ بسبب تباين وجهات النظر تجاه الأحداث في سوريا، - وبالتالي - ضرورة الانتقال إلى مرحلة أخرى، تقود إلى رؤية
مشتركة فاعلة، وقادرة على إيجاد حلول لأزمات المنطقة، وذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي.
زيارة - سمو ولي ولي العهد - محمد بن سلمان إلى موسكو، أظهرت دينامية إيجابية في العلاقات السعودية الروسية، بعد أن فضّلا التشديد على المصالح المشتركة، بدلا من الاختلاف في وجهات النظر ؛ - ولذا - فإن هذا التقارب سيؤدي إلى تعديل ميزان القوى في المنطقة، وعدم اقتصار العلاقات على قطب دولي واحد، وتنويع دوائر الحركة السياسية بالنسبة للسياسة الخارجية للدولتين . كما سيساهم - في تقديري - في قلب الموازين في الحروب الجارية في المنطقة تدريجيا، وستظهر آثارها على التحالفات السياسية، والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط ؛ كونها تأتي في ظروف دقيقة تمر بها المنطقة، - خصوصا - ما يجري من مستجدات على الساحة العراقية، واليمنية ؛ الأمر الذي يتطلب تنسيقا سعوديا روسيا ؛ لإيجاد الحلول للقضايا، والأزمات التي تمر بها المنطقة.
من جانب آخر، فإن الاستفادة من الخبرة الروسية عمليا وتقنيا، أثمر عن إعلان توقيع سلسلة من الاتفاقيات الهامة ؛ ليمثل تطورا لافتا في علاقة الدولتين، بل وتؤكد الرغبة الأكيدة في توطيد العلاقات ؛ حيث أثمرت هذه الزيارة عن توقيع ست اتفاقيات، كان أبرزها اتفاقية التعاون النووي في الاستخدام السلمي لتكنولوجيا الطاقة الذرية ، والتي تهدف إلى توطيد العلاقات بين الطرفين ؛ من أجل أن تعود بالفائدة على المستوى الاقتصادي، والتقني - لكليهما -، كما أنه سيؤدي إلى تنوع مصادر الطاقة في المملكة، وذلك من خلال الدور الفعال الذي ستقوم به الطاقة الذرية، عن طريق منظومات متكاملة، يتم إعدادها من قبل المتخصصين. كما تم التوقيع على اتفاقية عسكرية بين البلدين، وذلك في مختلف المجالات العسكرية، والتي يتوقع المحللون بأنها ستكون نقلة نوعية في طبيعة العلاقات العسكرية في المنطقة، - خصوصا - فيما يتعلق بمساندة روسيا لإيران، والرئيس السوري ، والتي من المرجح أنها ستشهد الكثير من التغييرات بعد هذه الاتفاقية .
ومن أبرز الاتفاقيات التي وقعت بين المملكة، وروسيا ، الاتفاقية المشتركة بين البلدين بخصوص مصادر الطاقة النفطية ، والتي تضم برنامجا تنفيذيا بين البلدين في مجال البترول ، وهذا - لا شك - سيعود على البلدين بالفائدة الكبرى من الناحية الاقتصادية . وقد ذكر محللون سياسيون بأن هذه الاتفاقية ستؤدي إلى تحسن الاقتصاد الروسي، - وبالتالي - سيقلل من احتمالية فرض العقوبات الاقتصادية التي تسعى إليها أميركا على روسيا . كما وجرت اتفاقيات أخرى خلال هذه الزيارة في المجالات العلمية، والتقنية ، وهذه الاتفاقيات هي عبارة عن مذكرة النوايا المشتركة في مجال الفضاء، والتي تحتوي على التعاون بين البلدين في مجالات استكشاف الفضاء، والاستخدامات السلمية له ؛ لعل من أهمها : مشاركة السعودية في رحلات الفضاء الروسية، وعمليات الاستكشاف الفضائية من خلال المركبات المأهولة، وغير المأهولة ، وتهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير الأنظمة المشتركة بين البلدين، والاستفادة من التقنيات الفضائية الروسية، والسعودية ، والتي - بالتأكيد - ستؤدي إلى تقوية التعاون المشترك في المشاريع، والبحوث، والتطوير، والتصنيع، والإنتاج الذي يتعلق بهذا الشأن . - وأخيرا - تم التوقيع على مذكرة تفاهم في المجال الإسكاني ، تهدف إلى إنشاء مشترك لعدة مشاريع بنائية، تقوم على أسس، وتقنيات حديثة، - بالإضافة - إلى تبادل الخبرات، والمعلومات بين البلدين.
في المقابل، فإن الاقتصاد الروسي يعاني من هبوط أسعار النفط، وثباتها عند مستويات شديد الانخفاض، - وبالتالي - فإن أهمية التقارب سيسهم في استقرار أسعار النفط، وهو ما تقتضيه المرحلة الحالية لمصلحة البلدين، دون أن تتأثر السوق نتيجة أية مقاصد سياسية، أو جيو سياسية، إذ أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى زيادة إنتاج روسيا من النفط ، في حين كانت السعودية من خلال منظمة الأوبك، تبذل جهودًا مكثفة ؛ للمحافظة على استقرار الأسعار . كما أن تنامي ملف الإرهاب في المنطقة، سيعزز من سبل مكافحته بين البلدين، باعتبار الثقل الكبير التي تشكله المملكة ؛ كونها القوة الإقليمية في المنطقة، - وأيضا - كشريك إستراتيجي قادر على ضمان الأمن في منطقة الشرق الأوسط، وذلك عن طريق التنسيق، والتعاون بين الطرفين .
إن تعزيز العلاقات بالتدريج، سيعيد البوصلة السياسية للدولتين من الظل ؛ حتى تكون أكثر حضورا، وتأثير في صناعة الأحداث، وستخرج روسيا من دوائر تشديد العزلة الدولية من حولها، - إضافة - إلى ضرورة تنويع السعودية خياراتها فيما يخص علاقات التعاون الإستراتيجي مع القوى الكبرى في العالم؛ من أجل التوصل إلى حالة تكامل الأدوار، والبحث عن تحقيق مصالحها، وتقييم تحالفاتها، وخططها الإستراتيجية في المجالين - الإقليمي والدولي -، والاتجاه - أيضا - إلى تنويع الأسواق التي تتعامل معها، - سواء - ما تتعلق بالصفقات الاقتصادية، أو العسكرية، دون الرهان على مصدر واحد.