صيغة الشمري
ليس هناك في الدنيا أكثر وضوحاً ودقة من الأرقام، لا يمكن أن يتطور مجتمع لا يولي للأرقام أي أهمية، لا يمكن حل المشاكل الاجتماعية دون تحليلها وتحويلها إلى أرقام، أذكر دراسة قديمة ما زالت عالقة في ذهني عن سجن الأحداث الذي يخص المراهقين الذين لم يبلغوا السن القانونية فيتم سجنهم بمكان غير السجن العام عند ارتكابهم للجرائم، الشاهد من الموضوع أن الدراسة بيّنت أن غالبية المجرمين من الأحداث هم أبناء (مطلقين)!
أي أبناء أبوين منفصلين عن بعضهما بسبب الطلاق، وأيقنت بعد أن قرأت هذه الدراسة أن حل مشكلة هؤلاء من جذورها يكمن في معالجة مشكلة الطلاق، في بيان هذه الحقيقة للأبوين الذين يريدان الطلاق، كم تمنيت كتابة هذه الحقيقة على لافتات وتعليقها في الشوارع وفي كل مكان: عندما تتطلقان قد يتحول بعض الأبناء إلى مجرمين، الكثير من الآباء الذين يدفعون باتجاه الطلاق يتساهلون بضرر طلاقهما على أبنائهما، هي الأرقام، تمنحك صورة حقيقية لحجم المشكلة، تمنحك النتائج دون عواطف وتزييف، آخر دراسة قرأتها على عجل، حزت في نفسي وأحببت أن تشاركوني التفكير حول أرقامها ونتائجها والحلول - إن أمكن ذلك - تقول الدراسة إن مدينة الرياض احتلت المركز الأول في عدد القضايا خلال التسعة الأشهر الأخيرة بمعدل 46 ألف قضية، أي بمعدل 5000 قضية في الشهر، 170 قضية في اليوم، بين قضية حقوقية وجنائية، وهو رقم مخيف يشكّل عبئاً ليس هيناً على كاهل الأمن وعائقاً رئيسياً أمام نمو المجتمع وتطوره، لذلك على جميع المسؤولين في مدينة الرياض وباقي مدن المملكة الاهتمام بهذه الأمور والتصرّف وفق النتائج والأرقام، والاستعانة بأهل الخبرة والكوادر الناجحة سواء في مكافحة الجريمة أو المخدرات أو غيرها، والإشادة بمسؤولي المدن الذين استطاعوا جعل مدنهم بدون جرائم أو على الأقل قاموا بالقضاء على معظمها، نحن نريد التفاعل مع الدراسات والأرقام، نريد أن نعرف ماذا يحصل بعد نشر كل دراسة، نريد أن نعرف ماذا حدث بالدراسة التي صدرت عن وزارة العدل التي مفادها أن مدينة الرياض تتصدر مدن المملكة في قضايا المخدرات، وهذه دراسة نُشرت منذ ثلاث سنوات، ماذا حدث في دراسة أعدتها جمعية حقوق الإنسان والتي أظهرت أن مدينة الرياض تتصدّر مدن المملكة في قضايا حقوق الإنسان، إنها ملفات مهمة جداً وحساسة يجب أن تحتل أعلى أولويات أمير المنطقة وباقي فريق عمله، وأخذ الدراسات التي تنشرها الجهات الأخرى على محمل الجد وعدم الاستهانة بها، هل يرضى المسؤولون في مدينة الرياض أن تظل مدينتهم هي الأولى في معدل الجريمة؟! لا أعتقد ذلك، لكنهم قد يحتاجون من يذكّرهم بهذه الدراسات المنشورة في جميع الوسائل الإعلامية ولن يتم القضاء عليها سوى بالعمل الحقيقي وتحقيق نتائج إيجابية حقيقية وعدم الذهاب إلى انتقاء تبريرات وهمية وواهية!