د. محمد عبدالله العوين
نجحت دول الشنجن 26 خلال عشرين عاما من بدء العمل بهذه الاتفاقية في كسر حواجز الحدود التاريخية وتحطيم القيود التقليدية بين هذه الدول في التنقل بينها والتجارة وغيرها، ثم أضافت إلى ذلك الإنجاز الكبير ما تم بين دول الاتحاد الأوربي الثمان والعشرين من اتفاق على التعامل بوحدة نقدية مشتركة؛ هي « اليورو « وهو ما بدأ بالفعل عام 1999م ثم تم استبدال عملات الدول الأوربية المنضوية في الاتحاد وهي ست وعشرون دولة عام 2002م ما عدا دولتين لم توافقا على التعامل باليورو؛ وهما بريطانيا وإيرلندا.
إنجاز عظيم نتمنى نحن العرب أن نصل إلى وضع اتفاقيتين شبيهتين تخصان التنقل بين الحدود والتعامل بوحدة نقدية مشتركة؛ ولكن هذا الحلم يبدو أنه بعيد المنال في الظروف السياسية العربية الحالية والأوضاع المأساوية التي تمر بها المنطقة العربية.
لم نعد نحلم بهكذا أحلام وردية؛ لا، بل نريد الآن السلامة للبشر من الانقراض والسلامة للخريطة العربية من التفتت؛ أما أن نطمح إلى وحدة سياسية أو اقتصادية أو دفاعية أو تنقل ميسر بين دول «الاتحاد العربي» فذلك أمر بعيد المنال كما ينضح به الواقع المرير المتشظي للأمة العربية؛ وهذا والله لم يكن موضوع هذا المقال الذي أكتبه أثناء صخب إجازة الصيف التي يتهافت فيها الناس من كل حدب وصوب على سفارات وقنصليات الدول الأوربية 26 التي تمنح تأشيرة الشينجن؛ ولكن الحديث ساقني عنوة من باب الشيء بالشيء يذكر، أو من باب التمني المشروع حتى ولو كان رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي!
وباعتباري واحدا من الملايين من شعوب العالم المستفيدين من هذه الأريحية الأوربية، والمتنعمين بكرم الوفادة وبشاشة الاستقبال وحسن التعامل؛ فإنني أجد أنه لا بد لي أن أشكر زعماء الشنجن على ما يسروا لشعوبهم وللسواح من أنحاء العالم كافة؛ فالسائح العربي يجد نفسه بعد أن تطأ قدماه مطار أول دولة أوربية يحط فيها لا يسأله أحد في ست وعشرين دولة، من أين جاء أو من أين راح؟ ولا يسأله خفير على نقطة الحدود التي لا تكاد تبين وهو يقود سيارته متنقلا بين دول الشنجن: إلى أين أنت ذاهب، أو متى تعود، أو ماذا معك؟ أو أين هي أوراقك؟ أو أين ختم الدخول أو الخروج ؟!
لا بد أن أحدنا (وأعني أحدنا من دول المنطقة العربية) سيتذكر حتما أن عليه أن يأخذ تأشيرة إن أراد أن يدخل إلى بعض الدول العربية، وأن أحدنا سيتذكر أيضا كم يقف من مرة، وكم يختم من مرة، وكم يدفع من مرة؛ وهو يمر على نقطة حدودية بين دولتين عربيتين!
سميت هذه الاتفاقية بهذا الاسمschengen نسبة إلى قرية صغيرة تقع في الجنوب الشرقي من لوكسمبورج بالقرب من نقطة التقائها في الحدود مع ألمانيا وفرنسا ولا يتجاوز عدد سكانها ألفي نسمة وقعت فيها الاتفاقية بالأحرف الأولى في 14 من يونيو 1985م من خمس دول مؤسسة، تعرف بدول البنلوكس، وهي: بلجيكا وفرنسا وألمانيا ولوكسمبورج وهولندا.
ولكن لم يتم العمل باتفاقية الشنجن؛ أي بجواز سفر موحد، والهجرة، وتيسير الدخول والخروج بنظام تأشيرات موحدة كدولة واحدة لأكثر من 400 مليون أوربي إلا في عام 1995م، وقد وقع على اتفاقية شنجن 22 دولة من دول الاتحاد الأوربي؛ هي: ألمانيا النمسا بلجيكا الدانمرك أسبانيا استونيا فنلندا فرنسا اليونان المجر إيطاليا لاتفيا ليتوانيا لكسمبورج مالطا هولندا بولندا البرتغال التشيك سلوفيينيا سلوفاكيا والسويد. والدول الأربع المكملة لـ 26 وليست من ضمن الاتحاد؛ هي: سويسرا النرويج ليختنشتاين وآيسلندا. أما الدول الست التي لم توقع على الشنجن وهي من ضمن دول الاتحاد الأوربي؛ فهي: بريطانيا إيرلندا قبرص بلغاريا رومانيا كرواتيا.
ملحوظة: سأتوقف عن الكتابة بدءا من شهر شوال للتمتع بإجازتي السنوية، وأعود لكتابة مقالاتي السبت 14 ذي القعدة إن شاء الله، وكل عام وأنتم جميعا والوطن بخير.