علي الخزيم
لا جديد مع إشراقة صباح يوم العيد؛ فمنذ سنوات وأنا أحاول تسجيل أي آثار من شأنها تغيير انطباعاتي عن هذا اليوم السعيد؛ فمعناه البهجة والانشراح الداعي لفتح القلوب لآفاق أرحب لاستيعاب المعاني السامية لهذه الشعيرة، التي ترمز للفرح الموصل للحب، والود بين الناس، ولاسيما الأقارب والجيران، غير أن الجديد الملاحظ هو تَبَدُّل وتَجَدُّد أنواع الملابس ونصاعة بياضها، ووصول رائحة العطور المبالغ بها إلى الأنوف لتزيدنا صحواً يقلقنا، وينبهنا إلى مستقبل علاقاتنا ببعضنا.
لستُ متشائماً، إنما هي الحقيقة والواقع الملموس بين (بعض) الأُسر. فما قيمة الملابس الزاهية والعطور الفوّاحة بأزكى الشذى إذا لم تُرافقها قلوب أطهر وأنقى، ونفوس أصفى وأكثر بياضاً وأرق من كلمات المجاملة الروتينية التي نرددها صباح كل عيد، وكأننا قلبان أو قلوب احتواها قفص صدري واحد، بينما الحقيقة خلاف ذلك؛ فما هي إلا سويعات وتُبَدِّد شمس الصباح كل حروفنا، وتُجَفِّفَ عطورنا، ويُلَوِّث غبار الطرقات ثيابنا، فنعود إلى مساكننا لم نكسب من العيد سوى عناء التنقل والترحال بين إشارات المرور لمعايدة (سطحية) لشيخ قريب، أو مريض بمستشفى، أو مدير نخشى سطوته وحجبه مميزات الوظيفة عنّا إن تناسيناه بالمعايدة.. ليست هذه مبالغة؛ فهي حقيقة، كما أن الحقيقة الثابتة أن مديراً يعاقب كل موظف لا يُقَبِّل رأسه بإبعاده عن دائرة الحظوة والقُربى لدى جنابه في العمل، وهو ما يعني حرمانه من ضمّه للانتداب معه في سفرياته المتكررة باسم العمل، وإسقاطه من قائمة العمل الإضافي وبقية المكرمات الإدارية من سعادته.. وكما قال العملاق الراحل الدكتور القصيبي - رحمه الله -: «دعوى الوداد تجول فوق شفاههم ** أما القلوب فجال فيها أشعب».
العذر لمن حاول تجاوز كل هذه المعوقات، وكان عند كل عيد هو المبادر بالتواصل والمعايدة بصدق أخوي، وبرابطة القربى والرحم، وعمق العلاقة الإنسانية مع المعارف والأصدقاء.. فهو قد عمل ما يمكن أن يعمله أي إنسان صادق مع نفسه والآخرين. عندها يكون قد ملك القناعة أنه قد امتثل للنهج الإسلامي القويم في مثل هذه الشعائر، وأنه قد أرضى نفسه، وبلغ بها درجات من السمو والرقي في التعامل وإن لم يحقق المراد، لخروج الأمر عن إرادته بسبب غَيّ يتملك البعض، وشعور بالنقص، وفراغ في الوجدان، يحاولون سدّه وتعويضه بذاك التعالي والصدود بمزاعم باهتة، ترتكن لمفاهيم صَدِئَة بالية، يُغَلّفون بها مظهرهم الزائف، ويسترون بها واقع قلوبهم وأنفسهم السوداوية العدوانية، ووجوههم المُكْفَهِرّة، لا لشيء فعله الناس إنما لما تُمْليه عليهم مشاعرهم المريضة تجاه الغير والأقربين خصوصاً. ولم أجد من متابعتي لتصرفات مثل أولئك (الاستثناء من قاعدة الأسوياء) سبباً لصدودهم وجفائهم وجفاف مشاعرهم، حتى في يوم الحب والسعادة والعطور والجديد من الثياب والزينة، إلاّ أنهم يتّقُون بتصرفاتهم انكشاف ضحالة فكرهم، وضآلة عقولهم، وضيق صدورهم، ووحشة نفوسهم. قال حاتم الطائي:
(أضاحك ضيفي قبل إنْزالِ رَحْلِه
ويُخْصِبُ عندي والمَحَلُّ جديبُ
وما الخَصْبُ للأضْياف من كَثْرةِ القِرَى
ولكنّما وجْهُ الكريمِ خصِيبُ)