سعد الدوسري
يتسلل الفجرُ لسريره خائفاً هامساً:
- ها هو كما كان بالأمس، غارقاً في هواجسه، تتقاطر المحاليل الدوائية إلى أوردته ببطء، غير عابئ بها. أهطلُ في غرفته بصمت، أزيح الظلامَ الخانق وأغرس في الزوايا نوراً بهياً، لكنه يظلُّ يحدّقُ في الفراغ الذي لا يفرّق بين الضوء والعتمة.
هذا الفجر غير كل فجر،
إنه فجر العيد.
كان قبل أن يغمد المرضُ خنجرَه في خاصرته، يستقبل العيد على جبال تهامة.
كان العيد يتبلل بفرحه،
كان أكثر من يفرح بالهلال وهو يبزغ في سماءٍ لا يراها سواه،
كان يزخرفه بالبياض وبالهدايا وبالابتسامات، ثم يطلقه للأطفال وللصبايا وللفتيان،
وكانوا جميعهم يشمون العيد نهاراً ببخوره وبغيومه، وليلاً بقصائده ورقصاته،
كانا، هو والعيد، جسداً واحداً،
لا يفرق بينهما سوى قافلته، وهي تهم بالرحيل بعيداً، حاملة ذكريات الضحكات وأريج اللقاءات.
ثم ها هو في سريره،
بعيداً عن تهامة،
كبُعدِ الصحو عن الغيبوبة،
وكبعد السرير عن الخطى التي تآخت مع الجبال العسيرة.
ها هو يصارع حقيقة أن يكون بعيداً عن العيد، وأن يفترق طيلة هذه السنوات عنه، داخلَ غرفةٍ لا تتحدثُ بلغة الهلال، ولا تتفهم زخرفة البياض.
ها هو يسمع الباب يخطو باتجاهه، فيظنها ممرضته، لكنها لم تكن هي.
كان مزيجاً من بخور وضوء ومطر.