محمد أبا الخيل
تشرّفت في منتصف شهر رمضان المبارك مع نخبة من كتاب الرأي بحضور ندوة دعت لها (مؤسسة سعفة القدوة الحسنة الخيرية) التي يرأس مجلس إدارتها سمو الأمير تركي بن عبد الله بن عبد الرحمن، وكانت الندوة وهي الأولى التي يتم فيها دعوة كتاب الرأي من خلال (الجمعية السعودية لكتاب الرأي) بحضور معالي نائب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) الدكتور عبد الله العبد القادر وأعضاء مجلس إدارة (سعفة)، وخصص معظم وقت الندوة لاستثارة الأفكار حول التحديات التي تواجه عملية مكافحة الفساد وتنمية النزاهة والقدوة الحسنة، ودور كتاب الرأي في تنمية الوعي الاجتماعي والمساهمة في إبراز الآثار السيئة للفساد على المجتمع والاقتصاد وحسن إدارة موارد الدولة. وهنا لا بد من الإشادة بجهود مؤسسة السعفة منذ تأسيسها التي كان من أبرزها المساهمة في إبراز المسوغ لتأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
الفساد هو سلوك اجتماعي يتجاهل الأنظمة والقيم الاجتماعية في سبيل تحقيق مكتسبات غير مشروعة نظاماً أو شرعاً، وهو فساد في الذمم ولا يقتصر على الفساد المالي المتمثل في الرشوة والاختلاس وتبذير المال العام، بل هو أشد ضراراً عندما يكون استغلال للسلطة والصلاحيات وتجاهل للنظام أو خرقه، فتضيع بسبب ذلك حقوق وتحدث تعديات وترتكب جرائم وتستباح أعراض ودماء، والفساد ليس محصوراً في نطاق الوظيفة العامة فكثير من الفساد يحدث في القطاع الخاص أيضاً.
الفساد في الذمم يحتاج بيئة مناسبة له لينبت وينتشر وهذه البيئة لها خصائص تجعل الفساد يفسر بمعانٍ مقبولة اجتماعياً مثل النخوة والشفاعة وتيسير الأمور والبر بالأقرباء والأصدقاء وغيرها من المعاني المقبولة اجتماعياً، لذا لا بُدَّ من معالجة خصائص البيئة التي تتيح الفساد ومن أهم هذه الخصائص هو الشعور الاجتماعي العام بعدم وجود عدالة في توزيع الثروة داخل المجتمع، فالإقطاع والمنح والاستئثار والاحتكار والتمييز في الوظائف العامة والمصالح العامة، كلها تخلق شعوراً لدى الفاسد بأنه غير مذنب بصورة فردية فهو يمارس حقه في الاكتساب من خلال ما يتاح له وتحت يده من مصالح وأموال، ويمتثل للمثل الشعبي «إذا هبت هبوبك فأذر»، ومن الخصائص الأخرى المهمة لبيئة الفساد هو ضعف البنية النظامية، حيث يتم تمييع الأنظمة والقوانين الحافظة للحقوق العامة وجعلها مواد يجري تجاوزها بحجة أنها قديمة أو معوقة للأداء أو بيروقراطية، وضعف البيئة النظامية يساهم به ضعف البيئة النظامية، فالإجراءات متعددة والصلاحيات مشتتة والمعاملات تضيع بسهولة أو تتلف دون سجل للمسؤوليات وإن وجد يتم تعديله وإلغاؤه بحجج واهية، ومن أهم خصائص بيئة الفساد ضعف الوازع الأخلاقي للمجتمع بصورة عامة، حيث يتم تقدير الفرد في المجتمع بناء على ما لديه من سلطة وصلاحيات وثروة دون الاهتمام بمشروعية ممارسة الفرد لتلك السلطة والصلاحيات أو مصدر تلك الثروة، لذا يجد الفاسد في المجتمع مكافأة غير مباشرة.
لا شك أن الفساد في الذمم ما أن يستشري بمجتمع إلا ويفسد المجتمع في كل جانب، ونحن في مجتمع لا يزال محصناً بكثير من القيم السامية التي تدعو للنزاهة ومخافة الله في حقوق الناس وأموالهم، ولكن لا يزال بيننا ممن لا يلتزم بتلك القيم، وحتى لا ينتشر سلوك هؤلاء، علينا أن نسعى من خلال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومؤسسة سعفة القدوة الحسنة ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الرقابة والتقنين في البلاد على معالجة البيئة الاجتماعية العامة بحيث تكون بيئة محصنة من فساد الذمم.