أ. د.عثمان بن صالح العامر
لم يحظ الكرْه بالدراسات الموسعة التي تؤصل له وتبين سبب ميلاده وسر وجوده ودواعي انبعاثه وشيوعه في هذا المجتمع أو ذاك، ولدى «س» من الناس دون أخيه، مع أنه لازم الإنسان منذ الأب الأول وما زال وسيظل إلى قيام الساعة.
وهو - أي الكرْه - في صورته الأولية يوجد حين يتوارى الحب، أو عندما يكون الحياد وعدم الاكتراث والعزوف عن إبداء المشاعر تجاه الآخرين سلباً أو إيجاباً، والكاره يسعى لتحقيق ذاته عبر الشر الذي يحمله في قلبه، وقد ينبعث الكره ويتجذّر في النفس نتيجة تراكمات أحداث ومواقف شخصية، وربما يغرس الكره ويسقيه ويعزز وجوده لدى الإنسان الفرد قوى خارجية، عبر وسائل وأساليب مؤثرة ومتوافقة مع رغبات وميول وهواجس هؤلاء الأفراد الذين يحملون بذرة الشر في نفوسهم من قبل، وداعش ألغت من قاموسها الحب وزرعت في نفوس الأتباع الكرْه، ولذا فهي تقف في خندق أولئك الذين يواجهون بني آدم بسلاح الشر لا الخير، وهذه أولى منحنيات الافتراق، فالدين الإسلامي يرتكز في أساسه على الحب، ومنه تتولد الرحمة واللين وعدم الفظاظة.
ومكوّنات الكرْه في مشروع داعش وركائزه التي يقوم عليها أربعة أركان:
* المكوّن النفسي إذ إنّ أصحاب هذا المشروع الاختطافي يبحثون - ما استطاعوا عبر قنوات عديدة - عن أولئك الذين يمرون بوضع نفسي حاد يولد لديهم القابلية للتوظيف وتمرير أفكار الكرْه لديهم.
* المكوّن المعرفي ويتضمن تبديلاً للمفاهيم، وتغييراً للقناعات، وتهويلاً للمنكر، وتصنيفاً مجتمعياً يقوم على أسس دينية واهية وغير صحيحة، وقد وظف منظرو هذا الفكر الخطير وناشروه والمبشرون به العالم الافتراضي المفتوح ( الشبكة العنكبوتية ) لبث شبههم والتواصل مع المغرر بهم من صغار السن والدهماء، وإعادة تكوينهم المعرفي بما يتوافق ومشروعهم التوسعي الخطير، حتى وصل بهم الأمر إلى أن جعلوا سفهاء الأحلام يكفرون المجتمعات الإسلامية جميعاً بلا استثناء، ويعلنون البراءة من الكل جراء شبهة الوقوع في المعصية وارتكاب ما قد يعد في ميزان الشريعة من أمور الاختلاف التي لا يصح فيها الإنكار، ولم يقف التكوين المعرفي عند هذا الحد، بل سعى هؤلاء المسوقون لفكر الخوارج الذي تتبناه داعش إلى تضخيم المسئولية الذاتية لدى المستجد في واجبه الشرعي لإعادة دولة الخلافة الإسلامية مهما كان الثمن، والنظر للواقع الحالي والمستقبلي بسوداوية مظلمة حتى تكون دافعية الأتباع للتصحيح المزعوم، ومن ثم نيل الأجر العظيم والمتوج بدخول الجنة رغبة متعاظمة في النفوس.
* المكوّن الانفعالي ويشتمل على مشاعر سلبية كالنفور من المجتمع، والاشمئزاز من الواقع، والميل للعزلة، والعكوف على الإنترنت، والتضجر مما هو في باب السياسة، وعدم مجالسة الأبوين والعقوق البيّن لهما، وشرود الذهن، والإعراض عن محاضن العلم ومجالس العلماء، وإعلان التمرد الحقيقي على التكوين المجتمعي من رأس الهرم حتى القاع.
* والمكوّن الرابع مكوّن سلوكي أو نزوعي ينطوي على الانتقام الذي يتولد مع مرور الأيام، حتى يصل الحال إلى قتل الوالد أو الخال كما حدث في غضون الأيام القليلة الماضية للأسف الشديد؛ حيث يمثل القضاء على الخصم أياً كان الهدف النهائي للداعشي حتى يضمن المشروع المخطط له إستراتيجياً الحفاظ على التوسع وضمان البقاء والاستمرار.
ولهدم هذه المكوّنات لابد من إيجاد النقيض بدءًا من الحب مروراً ببناء الأسرة السعودية بناءً نفسياً صحيحاً، وترسيخ العقيدة الصحيحة السلفية في نفوس النشء منذ الصغر حتى تصبح سلوكاً حياتياً يقيهم شر الكرْه الذي هو الوقود لكل ما نراه اليوم من مشاهد مؤذية وصور دموية محزنة.
حفظ الله عقيدتنا، وحمى قادتنا، وحرس شعبنا وأرضنا، ونصر جنودنا ورجال أمننا، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.