علي الصراف
الحب صعب. ولكن الغرام أصعب.
والحب عذاب. وقد كتب فيه الشعراء أكثر من كل شيء آخر. وغنى المغنون، وأطرب المطربون، على مدى آلاف السنين، ولكن لوعاته ظلت تدمي القلوب، وكأن كل أوصاف المعاناة فيه لم تكف العشاق المعذبين.
أما الغرام، فإنه الجحيم بعينه. لأنه فرنُ شوقٍ، تم وضعه في موقد الحب.
وهذا هو بالضبط حال علاقة الغرام التي تقيمها الولايات المتحدة مع إيران.
وعلى الرغم من أنه «حب من طرف واحد»، فإن واشنطن تعيش حالة من الشوق الاستراتيجي مع طهران لم تعانها مع أي حبيب آخر على مدار الكرة الأرضية.
وحب واشنطن لطهران ظل يُسهدها لعدة عقود. وبين مراسلة وأخرى، ولقاء طويل وآخر يتواصل حتى آخر الليل، فقد ظل العاشق يقول:
«مضناك جفاه مرقده،..
وبكاه ورحّم عُوّده»
«حيران القلب معذبه،..
مقروح الجفن مسهده»
وكلما زاد الحبيب جفاءً، بقيتْ واشنطن تتلظّى في فرن الشوق، وسط موقد يزداد اشتعالاً.
«كم مد لطيفكَ من شركٍ،..
وتأدب لا يتصيدهُ»
«فعساك بغُمْضٍ مُسعِفهُ،..
ولعلّ خيالك مُسعدهُ»
وحتى عندما تقوم إيران بشتم الحبيب، وتدعو له بالموت، وتوصمه بـ»الشيطان الأكبر» وتعلن أنها لا تثق به، فإنّ الولهان، يظل يستعطف.
«وهممتُ بجيدِك أشركه،..
فأبى، واستكبر أصيده»
«وهزَزْتُ قَوَامَك أَعْطِفهُ،..
فَنَبا، وتمنَّع أَمْلَدُه»
ولم يحصل أبداً، أن تخلّت الولايات المتحدة عن مصالحها لحساب دولة أخرى مثلما فعلت مع إيران. ولئن غزت العراق، وبذلت فيه الكثير من الدماء، فإنها قدمته كعربون عشق لم يسبق أن قدمته لأي أحد. وعلى مرأى تلك الدماء، كان لسان حالها يقول:
«جَحَدَتْ عَيْنَاك زَكِيَّ دَمِي،..
أكذلك خدَّك يجحده؟»
«قد عزَّ شُهودي إذ رمَتا،..
فأشرت لخدِّك أشهده»
وبينما كانت تزمع الولايات المتحدة أن تقيم ديمقراطية على أنقاض نظام ديكتاتوري سابق، فإنها كانت شاهداً (وشريكاً) في الكثير من أعمال التنكيل التي مارستها مليشيات طهران. حتى بدا أن «القيم» الديمقراطية كانت من بين أول ما تم وضعه تحت مداس الحبيب.
«مَوْلايَ ورُوحِي في يَدِه،.. قد ضَيَّعها سَلِمتْ يَدُه»
والكل يعرف أن إيران أبعد ما تكون عن إنتاج قنبلة ذرية، ولكن عندما ألقى خامنئي خطابه بعد توقيع الاتفاق النووي الذي أهدى لطهران 150 مليار دولار، مقابل قيود على وهم، فقد رد وزير الخارجية جون كيري بالتعبير عن «الحيرة» و»الاستغراب».
«سببٌ لرضاك أمهده،..
ما بالُ الخصْرِ يُعَقِّدُه؟»
وبطبيعة الحال، فما كل ناصح، في عين واشنطن، إلا واشٍ وعذول لا يجدر باستراتيجيات الغرام أن تصغي إليه.
«بيني في الحبِّ وبينك ما،..
لا يَقْدِرُ واشٍ يُفْسِدُه»
«ما بالُ العاذِلِ يَفتح لي،..
بابَ السُّلْوانِ وأُوصِدُه؟»
وعلى رغم كل المزاعم السابقة عن ضربة لإيران، التي اتضح أنها غطاء لمفاوضات سرية، فإن صفعات الجفاء الإيراني لم يقابلها إلا المزيد من الولاء.
«قسماً بثنايا لؤلُئِها،..
قسم الياقوت منضده»
«ما خنت هواك ولا خطرتْ،
سلوى بالقلب تبرده».
* * *
البعض في المنطقة يقول المشكلة ليست في الاتفاق النووي بحد ذاته، ولكنها في الغزل الذي رافق إعداده. البعض الآخر يقول إنّ المشكلة ليست في الغزل وإنما في الاتفاق نفسه. ولكن السؤال المحير أكثر هو: هل كان أحمد شوقي يعرف أنّ الحب بين دولتين، أكثر لوعة من الحب بين شخصين، وأنه رصده أفضل مما فعل أي شاعر، وأنّ قصيدته تلك كان يجدر أن تكون ملحقاً للاتفاق النووي؟