علي الصراف
لقد رأينا كيف يمكن هدم دولة، ولكننا لم نر كيف يمكن إعادة بنائها.
ربما كانت هذه الجملة تكفي لتلخيص كل التجربة الأمريكية في العراق، بكل ما انطوت عليه من آلام وخسائر. ولكنها، مع الأسف، ليست النتيجة الأهم.
النتيجة الأهم هي أن القوة العظمى التي دخلت العراق بمشروع، انتهت فيه إلى قوة بلا مشروع! وهذا وحده مؤشر كبير وخطير وذو معنى.
ولكن، إذا شئت أكثر من ذلك، فإنها تركت البلاد نهبا لمشروع إيراني مضاد، حتى لكأن الولايات المتحدة أطلقت النار على قدميها بالذات.
وهذا حال مؤسف بالنسبة لقوة دولية عظمى، إلا أنه هو الأمر الواقع.
لا جدال في أن الولايات المتحدة وضعت العراق على طبق من فضة وسلمته لإيران. فهذا واضح. ولكن انظر كيف حقدت الولايات المتحدة على كل من حقدت عليهم إيران. وانظر إلى المعاملة التي عاملت بها العراقيين الذين حاربوا المشروع الإيراني. وانظر إلى المليارات التي منحتها إدارة بول بريمر لمليشيات طهران، وانظر إلى ما سمحت لها به من أعمال تنكيل، ثم انظر إلى الطريقة المهينة التي امتثلت بها واشنطن لإرادة طهران بتعذيب وإهانة وإعدام كل من كانت تريد طهران التخلص منه.
بهذا السبيل، فقد تعدت خدمة المشروع الإيراني من خطأ إستراتيجي، إلى ما صار يبدو (للمستريب على الأقل) وكأنه علاقة غرام.
هل كانت الولايات المتحدة تدافع عن مصالح أمريكية، أم أنها كانت تمنح الفرصة للمشروع الطائفي الإيراني لكي يتمدد؟
وإذا كانت هناك مصالح، فما هي؟ وماذا بقي منها؟ وما هي الرؤية التي تسندها؟
يعز على الولايات المتحدة أن تعمل كقوة جوية لصالح أي أحد، ولكنها تفعل ذلك في العراق. فهي هناك تعمل كقوة جوية وبرية لصالح المشروع الإيراني، حتى ولو بدا أن جانبا من جهدها يذهب ضد «عدو مشترك».
ولئن كان المشروع الإيراني هو الوحيد الموجود في العراق. ولئن بدا وكأن الولايات المتحدة تزوده بالسلاح والمدربين والخبرات، لكي يحافظ المليشياويون في السلطة على سلطتهم، فالحقيقة هي أن واشنطن لا تنافس طهران على أي شيء في العراق. الولي الفقيه هناك هو السيد، وهو الذي يقرر قواعد اللعبة. أما «السيد» الأمريكي فإنه بالكاد يبحث عن دور.
كيف يمكن للقوة العظمى أن تخطئ الهدف بهذا المقدار؟ كيف جاز أن تجد نفسها بلا مشروع، ثم جاز لها أن تخدم مشروعا للغير؟
سؤال صعب فعلا.
ولكن، حتى ولو نظرت إلى المسألة من فوق (بافتراض أن واشنطن تطيع طهران في بلد، لكي تجعل منها مطية لخدمة مصالح أكبر في المنطقة بأسرها)، فإن المعادلة لا تستقيم. لأن خادم مشروعات الغير لن يكسب في لعبة يضع قواعدها الآخرون.
وهذا كثير، على مكانة بلد مثل الولايات المتحدة.
الذين يحبون الولايات المتحدة، ويحترمون مكانتها كقوة عظمى، ما كان لهم أن يتوقعوا منها انزلاقا إلى هذا الحد.