رجاء العتيبي
بات من الضروري تغيير الصيغ التي تعمل بها الجهات المعنية بالثقافة في بلادنا، تبعاً للمتغيّرات التي طرأت على المشهد الثقافي، ابتداءً من بزوع عصر الجماهير، مروراً باتساع تأثير (الصورة) وانتهاءً بانتشار الفكر الاقتصادي، كل ذلك يأتي في ظل تراجع العمل الثقافي في المؤسسات الحكومية الكبرى، كوزارة الثقافة والإعلام والجمعيات والجامعات والأندية الأدبية والمراكز الثقافية.
وتتأكد هذه الرؤية، عندما نرى شح (الموازنات) الحالية، بصورة باتت معها المؤسسات الثقافية الحكومية غير قادرة على الوفاء بمتطلبات العمل الثقافي في بلد مترامي الأطراف كالمملكة العربية السعودية، وفي ظل تحديات الإرهاب والتطرف والتشدد الذي يحتاج إلى مسارات جديدة للتعامل معه بفاعلية.
وفي تقديري أن أبرز هذه الصيغ الجديدة ليكون العمل الثقافي أكثر فاعلية، هي اقتصار المؤسسات الثقافية الحكومية الكبرى على وظيفة (المشرع، وواضع الأنظمة، ومعد الإستراتيجيات)، في حين يترك العمل للقطاع الأهلي، من حيث استقطاب رؤوس الأموال، وتفعيل دور مؤسسات الإنتاج الفني، ومؤسسات التنظيم والمعارض، ووكالة الدعاية والإعلان وفقاً لأنظمة (عادلة وآمنة) تسمح للجميع بالمشاركة عبر كراسة مواصفات دقيقة وواضحة.
رأس المال (جبان) كما يعرف الجميع، وهذا يحتم على المؤسسات الثقافية إيجاد بيئة آمنة، تحفز رجال الأعمال للاستثمار في منطقة الثقافة والفنون كأحد أهم الصيغ الجديدة التي تحرك المياه الراكدة، وتعيد للعمل الثقافي وهجه وإبداعه وتميزه.
هذا من شأنه أن يخفف العبء على (ميزانية) الدولة، ويعطي مساحة للعمل الحر بعيداً عن طلب الموافقات (الروتينية)، على اعتبار أن المؤسسات والأفراد حصلوا عليها مسبقاً من خلال لوائح وقوانين المؤسسات الثقافية التي تعمل على مراقبة العمل الثقافي عن بعد، وتسهل أعماله.
هذه الوظيفة الجديدة للمؤسسات الثقافية الكبرى، ستتيح استمرار عجلة الإنتاج مدار العام، ما نكسر معه ارتباط العمل الثقافي بميزانية حولية، لا يظهر المنتج الثقافي إلا بها، ويختفي في حال نفاد الميزانية، وهذا حل لواحدة من أهم معضلات العمل الثقافي محلياً.
وتتأكد أهمية هذه الرؤية إذا علمنا أن (الفنون ولدت لتكون مستقلة)، ليس استقلالاً تاماً، بقدر ما هو استقلال يعمل وفقاً للإطار العام الذي تضعه المؤسسات الثقافية الحكومية الكبرى، كما تفعل وزارة التجارة بالنسبة للمؤسسات التجارية.