فهد الحوشاني
يتعرض الطفل في حياته اليومية لكمية هائلة من أفعال الأمر والتي هي غالباً نسخة طبق الأصل من أوامر كل يوم. فطريقة التربية هي غالباً تعتمد على ردود الأفعال والتي هي في النهاية لا تخلو من الأوامر والنواهي والتي هي نفسها تلك التي تتردد على مسامعه في البيت والمدرسة.. وما إن تغلق أبواب المدرسة حتى يختلف الوضع جذرياً عند الغالبية، حيث يمنح الطلاب ( الأطفال) بالإضافة إلى استراحة من أعباء الدراسة ومهامها وطلبات المعلمين، فإنه في البيت يصدر لهم عفو عام من كثير الالتزامات والواجبات والاستيقاظ صباحاً، حيث يجدون أنفسهم فجأة في حل من كثير من الالتزامات التي كانوا يتقيدون بها.. ويصاحب ذلك ضعف في الإشراف الأسري بشكل ملحوظ فهم يمنحون راحة من سماع أفعال الأمر والتي كان الآباء والأمهات يستهلكون كميات هائلة منها أثناء الدراسة، فمنذ أن يدخل الطفل إلى باب البيت عائداً من المدرسة وهو يواجه بسيل من أفعال الأمر التي لا تنتهي.. (غيّر ملابسك.. كل.. اشرب.. اذهب إلى الفراش.. قم.. ادرس.. احفظ.. لا تلعب.. لا تذهب.. لا تخرج.. لا تصرخ. اترك الجوال. أغلق التلفزيون)، وغالباً لا الطفل ينصاع بسهولة لتلك الأوامر ولا الأهل يخففون منها! ليبقى البيت مشحوناً بكميات كبيرة من الأوامر والنواهي، مما يجعل التوتر والشكوى هما السمة الغالبة!! والملاحظ أنه ومع بدء الإجازة تتعطّل وبشكل مفاجئ آلة إصدار الأوامر داخل البيوت، ويتنازل الآباء والأمهات عن كثير من مسؤولياتهم ويسمح للأطفال أن يفعلوا ما يريدون فهم يسهرون حتى الصباح لمشاهدة التلفزيون أو الخلوة مع أجهزتهم وما صنع لهم من تكنولوجيا تكرس القطيعة بين الطفل ومحيطه الأسري والاجتماعي، والسهر مع وسائل التواصل الاجتماعي، ويفتح المجال لطلبات الوجبات السريعة.. لتصبح ساحة البيت خالية من الأوامر والنواهي، بل إن الاتصالات المباشرة أصبحت شبه مقطوعة بين الأهل وأبنائهم، فعندما ينام الأهل ليلاً يكون الأطفال في بداية برنامجهم الساهر وعندما يصحو الآباء والأمهات يكون الأطفال في سبات عميق.. وجبة الغداء عند الأهل هي وجبة الفطور لدى الأطفال.. ووجبة عشائهم هي وجبة الغداء! إن الكثير من الأوامر والنواهي المتكررة تفقد أهميتها مما يجعل تكرراها ضرورياً وإن لم يأت بنفس الفعالية، بسبب عدم اللجوء إلى تفاهم ودي بين الأهل والطفل أو طريقة الإقناع بالامتثال والانضباط في تنفيذ الواجبات، وبالمقابل فإنلإهمال والانشغال الزائد عن الأطفال بالإجازة وربما وضعهم أمانة عند الخادمات قد لا يكون تصرفاً سليماً.. ومع الإقرار بصعوبة التعامل مع الأطفال وتلبية احتياجاتهم والقدرة على تفهمها إلا أن هناك حدوداً لتركهم بلا أي إشراف خلال الإجازة.. لأن ذلك بخلاف أضراره التربوية سيجعل من إعادتهم إلى سابق عهدهم عند اقتراب المدرسة من الأمور الصعبة.