هاني سالم مسهور
لم يكن مفاجئاً ذلك الخطاب - الحاد - الذي أطلقه مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في يوم العيد، بعد أيام قليلة جداً من توقيع إيران للاتفاق النووي مع الغرب في فيينا، فالحديث المشحون تجاه الدول العربية كان لابد وأن يكون من الرأس الإيرانية الأكبر، لتأكيد أن إيران لن تتخلى أبداً عن ما تمليه عليها أجندتها التي نشأت وقامت عليها منذ قيام ثورتها في 1979م، عندما تبنت مشروع تصدير الثورة كنهج التزمت به تجاه ذاتها وتجاه الآخرين.
قد يكون وزير الخارجية الأمريكي جون كيري هو أحد المندهشين من خطاب المرشد الإيراني، وقد يكون الرئيس الأمريكي أوباما أحد المصدومين من ذلك الخطاب، وقد تصاب الولايات المتحدة عبر مهندسي الاتفاق النووي بكثير من الإحباط، ولكن في المقابل يشعر كثير من الخليجيين والعرب أنه من الطبيعي أن لا يحصل تغيير حقيقي في التوجه الإيراني الذي لا يمكن أن يكون صادقاً تجاه الآخرين.
ندرك أن إيران باعت للغرب مشروعها النووي - الفاشل - في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، فالمشروع النووي لم يحقق تقدماً يُذكر، وكان مادةً إعلامية دسمة قدمتها طهران، كذلك إيران التي وجدت في تقديم الفوضى الشاسعة في المحيط العربي مساحةً واسعةً استثمرتها من أجل أن تصل إلى هذا الاتفاق الذي يقضي فعلياً بعودة إيران إلى العالم بعد أكثر من ثلاثة عقود ظلت فيها طهران مسجونة في قفص الاتهامات ـ المثبتة ـ عليها.
الإيرانيون يدركون أن رهاناتهم على تسويق أنفسهم ستصدم بجيرانهم الخليجيين العرب الذين يدركون أنهم يتعاملون مع الوجه الإيراني المنتمي إلى الثورة وليس إيران الدولة، هذه الواقعية التي تتمايز وتتلازم بين ضفتي الخليج العربي تدفعنا إلى ما يجب أن يكون ناحية إيران بعد الاتفاق النووي، والذي يحفز أكثر ناحية أن تقوم المنظومة الخليجية بإجراءات صارمة تبدأ من اعتبار هذه المنظومة شريكاً أساسياً في المراقبة على تطبيق اتفاق فيينا، وأن تكون التركيبة السياسية معتبرة بخمسة زائد اثنين، مع التأكيد على اعتبار دول الخليج العربي هي جزء من قرار مجلس الأمن الذي يقضي بإعادة العقوبات الأممية في حال إخلال إيران ببنود الاتفاق النووي.
وفيما يسوق وزير خارجية إيران جواد ظريف الاتفاق النووي بزياراته للدول العربية الخليجية بداية من الكويت، وهنا نتساءل إن كانت إيران فعلاً تريد أن تفتح صفحة جديدة مع العرب وتطوي سنوات طويلة من التدخلات؟؟، الإجابة إيران لن تكون غير إيران التي نعرفها، لأن الأيدلوجية التي نشأت عليها هي التي تدفعهم إلى التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانهم، وأن تصدير ثورتهم الطائفية لن تتوقف عند الاتفاق النووي بل هو مرحلة من مراحل وجودهم في المنطقة سياسياً وعسكرياً.
جانب آخر فيما بعد الاتفاق النووي لابد وأن يستحضر ولا يغيب عن الأذهان، وهي أن إيران التي تتحفز للخروج إلى العالم ستصطدم بصراعاتها الداخلية بشكل أكثر شراسة وديمومة من كل المراحل السابقة، على اعتبار أن الليبراليين الإيرانيين سيجدون نافذة واسعة للاتصال بالعالم وفتح قنوات ستكشف التضعضع الإيراني الداخلي والتنافس السياسي والأهم الفكري في الداخل، مما سينتج عنه كثير من التباينات التي ستشغل النظام الحاكم من المرشد الأعلى إلى كل أجهزة النظام الإيراني للتعامل مع الواقع السياسي الإيراني.
فعلياً دخلت إيران والعالم في مرحلة جديدة من تاريخ الشرق الأوسط وسط التهاب عواصم عربية كبرى هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهي التي على إيران أن تكون عملياً صاحبة أدوار إيجابية تثبت فيها حسن النيات بتخفيفها للمد المذهبي الذي عصف بالشعوب العربية وجعلها تدفع ثمناً باهظاً، فالحشد الشعبي وكتائب أبوالفضل وحزب الله والحوثيون وغيرها من الأذرع الإيرانية بحاجة أن تكون أكثر مسؤولية بإيقاف الدعم لها لتكون الخطوة الصحيحة لبناء الثقة بين دول الخليج العربية ككتلة واحدة وإيران.
المرحلة لا يمكن اعتبارها منفصلة عن الماضي، ولا يمكننا اليوم الاستهانة بالمستجدات، علينا أن نكون قادرين فعلياً في امتلاك زمام المبادرة وإجبار طهران على أن تكون جزءاً من منطقتنا، ليست المنزوعة من السلاح النووي فقط بل أن تكون عاملاً من عوامل الاستقرار، وهذا لن يكون بغير أن تكون المنظومة الخليجية ومعها الدول العربية كلها بمقدار الصرامة الكاملة تجاه الاتفاق النووي برمته، فنحن لا نتوقع من إيران غير المزيد من الفوضى والعبث في عواصمنا العربية كلها، ولن نكون بمنأى عن تدخلاتها إلا بحزم كامل وصرامة تقتضي معها إيران أن تتعامل وفق الندية بما سيسهم على تحجيم إيران سياسياً أولاً ثم طائفياً وعسكرياً.