علي الصراف
كلنا يخطئ، وسواء تعلق الأمر بخيارات الحياة أم بالسياسة، فالمشكلة لا تكمن في ارتكاب خطأ، وإنما في القدرة على نقده والنظر فيه، والتراجع عنه لو أمكن.
بتمسكه الأعمى بالسلطة، وبسعيه المحموم للعودة اليها، ارتكب الرئيس علي عبد الله صالح خطأ جسيما حيال شعبه الذي كان يطالبه بالرحيل.
وبعد عدة عقود من التربع على عرش كل شيء في اليمن، بما في ذلك عوز الناس وفقرهم، فقد كان من الأولى بهذا الرجل أن يتقي الله عز وجل في نفسه على الأقل.
كان يمكنه أن يقول: «لقد فعلت ما استطيع». كما كان يمكنه أن يحافظ على فسحة للقول إنه نجح في شيء وفشل في آخر، وإنه حاول، ولكن قدراته وقدرات بلده وظروفا شتى حالت دون أن يحقق كل ما يصبو إليه. وبما أنها لم تدم لغيره لتدوم له، فقد كان بوسعه أن يامل البركة في ما توافق عليه اليمنيون.
إلا أنه لم يفعل. اختار أن يركب رأسه، وأن يواصل «الرقص على رؤوس الأفاعي» (كما كان يقول) حتى ركب الأفعى الأكبر: جماعة الحوثي. فابتلعته.
ولكن بماذا أخطأ؟
- لقد أخطأ في قراءة التحول السياسي الذي دفع اليمنيين إلى الخروج من قمقم «الأفاعي» التقليدية التي ظل يراهن عليها.
- وأخطأ في قراءة الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي راكمه فشل سلطته.
- كما أخطأ في قراءة المعادلات الإقليمية.
- كما أخطأ في التصرف كشخص تتسم أفعاله بنكران الجميل حيال الجميع.
يمكن للإنسان أن يخطئ، ولكن هل كان علي عبد الله صالح مضطرا إلى أن يسيء إلى نفسه وشعبه وجيرانه وأمته دفعة واحدة؟
كما يمكن خوض الحرب مع كل الناس، ولكن هل كان من الصحيح تحويل الصراع الداخلي إلى صراع استراتيجي ضد الذين ظلوا يمدون يد العون إلى اليمن على طول الخط، وضد الذين رعوا المصالحات والتسويات التي حولها إلى مصدر لبقائه في السلطة؟
عمى الشعور بالقدرة المطلقة، دفع هذا الرجل إلى أن يعود إلى اليمن من علاجه في السعودية ليجد نفسه ينقلب على الأمن الخليجي برمته.
ومن أجل ماذا؟.. من أجل سلطة لم يقدر أن يحافظ عليها في العلاقة مع شعبه!
لم يسأل كيف سيبرر غدرا كهذا لأولئك الذين لا بقاء لليمن دون عونهم؟
لم يسأل أيضا، ماذا قدمت إيران لليمن لكي يتحول إلى حليف لها على حساب أمن واستقرار اليمن نفسه؟
لم يسأل أيضا وأيضا، ما طبيعة الأفعى التي زودها بالسم (الأسلحة والإمكانيات)، لكي تحول سلطتها إلى غزو داخلي؟
يمكن للإنسان أن يخطئ. ولكنه عندما يحوّل الخطأ إلى حرب ضروس، فيحسن به أن يحتفظ بالشجاعة والفروسية لكي يقبل بالهزيمة إذا لاحت بشائرها.
صحيح إن الوقت ربما يكون قد فات على أي اعتذار. ولكن بدلا من الإعراب عن الأسف، هل من الضروري أن يترك للتاريخ القول: ذهب مع الريح، وذهب غير مأسوف عليه؟
المشكلة في عمى السلطة، إنه عمى شامل. يصيب البصر والبصيرة، كما أنه، في بعض عالمنا العربي، يصيب المروءة في الصميم حتى لا يصعب على صاحبه أن يحول لسانه إلى مشنقة.