د.موسى بن عيسى العويس
رغم تلاشيها خلال عشر سنوات ماضية بدأت هذه الأيام وبشكل مفاجئ: بدأت تلوح بالأفق (بوادر أزمة في قبول الطلاب) ليست على مستوى التعليم العالي الذي يعد نوعاً ما مقبولاً، حيث ترتبط المدخلات بمتطلبات سوق العمل، وإنما على مستوى التعليم العام في مواقع محددة من المدن الكبيرة، قد تكون في الرياض، ومكة المكرمة،
وبالتحديد في بعض أحيائها، وهي من الإشكاليات التي يتكرر مشهدها في الغالب كل عام على تفاوت في حجم المشكلة وقدرة من إدارات التعليم على محاولة احتوائها.
ربما كان هناك عوامل عديدة في الأعوام الماضية ربما أسهمت في حل مشكلات القبول، وإيجاد مقاعد دراسية لهم، ربما كان على رأسها برامج استبدال المدارس المستأجرة في التعليم العام على سبيل المثال، وبرامج الابتعاث الخارجي للتعليم العالي، إلا أن هناك عوامل أخرى كانت سبباً كبيراً في تلاشي المشكلة ألا وهو التخطيط والإشراف المكثّف منذ وقت مبكر على متطلبات بداية العام الدراسة، والتي كان يترأس فرق العمل فيها كبار المسؤولين على مستوى جهاز الوزارة، وعلى مستوى الإدارات التنفيذية.
رغم أنه بقي حوالي شهر على استئناف العام الدراسي إلا أن الرأي العام يبدو مرتاباً من بداية تلقائية منتظمة، بل يبدو عليه التذمر، والتوجس، والخوف من بداية عام دراسي مضطربة قد لا يجد فيها بعض أولياء أمور الطلاب والطالبات مقاعد دراسية بسهولة في الأحياء التي يقطنونها، أو القريبة منها، أو ربما سيصدمون في مدارس يتكدس فيها الطلاب بأعداد كبيرة. والإعلام بطبيعة الحال، سواء كان تقليدياً أو حديثاً سيرصد الواقع، أو جزء من الحقيقة.
أعتقد كانت وما زالت فيما يبدو لجان الاستعدادات لكل عام دراسي قائمة، تشكل في كل جهة، وتبذل كل ما في وسعها، للتخفيف من حجم المعاناة، لكن هذه اللجان إذا لم تحظ بإشراف قوي، وتخطيط مدروس، وتوفير للإمكانات والمتطلبات التي ترصدها، والبناء على تقاريرها في الأعوام المنصرمة، والدراسات المسحية والتنبؤية لهم لبعض المشكلات. أقول: إذا لم يؤخذ ذلك في عين الاعتبار فستجد نفسها في مأزق كبير، وغير مسبوق أمام الرأي العام والمجتمع.
أتمنى ألا تكون بعض تنبؤاتي في مكانها، لكني أخشى أن يضغط المستقبل على بعض الأسر من ذوي الدخل المحدود، حينما يجدون أنفسهم أمام خيارات صعبة، أقول: أخشى أن يلجأوا مكرهين إلى مدارس خاصة. هذه المدارس الخاصة لم يعد في قدرة للمواطن البسيط على تسديد رسومها، والوفاء بمتطلباتها أمام رسوم دراسية مرتفعة جداً، ولا يبدو في الأفق أي حلول لها، إذ هي قضية شائكة معقدة تتعدد أسبابها، ولم تحل ماضياً، ولن تحل مستقبلاً إلا بتدخل ودعم مباشر من الدولة، لتحمّل نفقات بعض أعباء التشغيل على ملاّك المدارس الأهلية، أو اللجوء إلى شراء بعض المدرس الخاصة، وانتزاع ملكيتها، للاستفادة منها في تغطية احتياجات بعض الأحياء التي سلب المواطن بعض مرافق خدماتها التعليمية، والصحية، والترفيهية.
لو أخذنا على سبيل المثال، سنجد في أحيائها الشمالية، والشمالية الغربية، تلك التي حرّرت فيها بعض المواقع التعليمية على غفلة من الرقيب، ستجد أزمة غير طبيعية، ومعاناة كبيرة لقبول أبنائهم. فهم بين أمرين أحلاهما مر: مدارس خاصة، أو تحمّل عناء ونفقات النقل، هذا إن توافر لهم قبول في أماكن أخرى.
مخجل جداً، ولن يقبل المجتمع إن عدنا إلى الوراء في تقديم الخدمات التعليمية الأساسية التي من الواجب تقديمها للمواطن بكل يسر وسهولة.
وعلى أي كان الوضع، تعد الأيام القليلة القادمة أحد المؤشرات القوية التي تقيس أداء الدماء الجديدة، التي أعطيت الثقة للإشراف على التعليم، والتي ينتظر منها التعليم نقلة كبيرة، وتغييراً جذرياً، يتواكب مع الثقة والطموح.