د. عبدالرحمن الشلاش
أثار قرار معالي وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل القاضي بفتح فصول لتحفيظ القرآن الكريم في مدارس التعليم العام موجة عارمة من ردود الأفعال المؤيِّدة بشدة والمعارضة بشدة مع ردود أفعال قليلة جداً متعقلة حاولت أن تدرس الحيثيات بتأن مع محاولة رصد إيجابيات وسلبيات القرار على محيط العملية التعليمية والذي يعاني ومن سنوات طويلة ضعفاً ظاهراً في مدخلاته ومخرجاته، حيث التهالك في بنيته التحتية المتمثلة في المباني والمختبرات والتجهيزات والتقهقر المخيف في مستويات المعلمين والنقد اللاذع لمحتويات المناهج المدرسية, والهبوط الحاد في أداء القيادات التربوية والمدرسية وغير ذلك من معاناة تعليم ظل لعقود ومع قدوم أي وزير جديد يصرخ لانتشاله من معوقات شلت أطرافه فبات بطيء الحركة غير فاعل في حراك التنمية يضخ مخرجات من طلاب وطالبات بعضهم لا يحسن القراءة والكتابة ناهيك أن يدرك شيئاً في نظريات الرياضيات والفيزياء والكيمياء وتطبيقاتها العملية.
قرار وزير التعليم الذي جاء ضمن سياق تغريدة له في حسابه بتويتر كان نصه « قياماً بواجبنا تجاه القرآن الكريم، وإضافة لمدارس التحفيظ القائمة فوّضت مديري التعليم بصلاحية فتح فصول تحفيظ القرآن في مدارس التعليم العام».
هذا القرار علّق عليه كثيرون، ووجد فيه بعض أصحاب التوجهات غير السوية فرصة للتشفي من خصومهم فانقسموا بين مصفقين اعتبروا القرار انتصاراً مبيناً على أعداء الدين وأهله، ومعارضين اعتبروه تعزيزاً لتواجد أصحاب الفكر الضال في المدارس وترسيخاً لأفكارهم وتدعيماً لخطرهم.
بعيداً عن كل هذه التراشقات فلا شك بأهمية تدريس القرآن الكريم للنشء لتعليمهم أمور دينهم وتقويم ألسنتهم من الاعوجاج وإثراء لحصيلتهم اللغوية؛ فالقرآن يحتوي على خمسين ألف مفردة إذا أتقنها الطالب قراءةً وتفسيراً وفهمها فهماً عميقاً أدرك عظيم العلوم والفوائد، لكن ذلك لن يتحقق إلا من خلال منهج متقن ومعلمين على جانب كبير من التأهيل والتدريب، والدولة منذ وقت مبكر وجهت عنايتها لتعليم القرآن وتحفيظه ففتحت مدارس لتحفيظ القرآن ومنحت الملتحقين بها المكافآت المجزية، كما قرَّرت تدريس القرآن في جميع مراحل التعليم العام وبعض الجامعات، وشجعت جماعات تحفيظ القرآن ودعمتها.
عودة لقرار الوزير، فالواضح لي أنه لم يستند على دراسات قبْلية توضح مدى حاجة الميدان له، وترصد مؤشرات نجاحه وعدم تأثيره على تدريس باقي العلوم أو ما يمكن تسميتها بعلوم العصر مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء والحاسب، وتدرس إمكانات البيئة التعليمية وملاءمتها لتطبيق القرار، وما يؤكّد كلامي أن معاليه قد فوّض لمديري التعليم في المناطق الصلاحيات المطلقة لفتح مثل هذه الفصول دون شروط أو ضوابط محددة وهذا يعني فتح الباب على مصراعيه للاجتهادات بين من سيسمح بفتح الفصول في كل المدارس، ومن سيقننها في المدارس البعيدة عن مدارس التحفيظ القائمة وبذلك سيجلب القرار مزيداً من الصداع للوزارة وخصوصاً أننا نعلم بالتباين الشديد بين مديري التعليم في مدى فهم القرارات وتطبيقها، لذلك كنت أتمنى أن تدرس الحاجة قبل القرار لأن هناك أيضاً من سيطالبون بعد فتح الفصول بمكافآت لأبنائهم أسوة بطلاب مدارس التحفيظ، وهناك من سيطالبون بتعميم الفصول على جميع المدارس، وهناك من سيطالبون بإلغاء بعض المناهج.. وهكذا.
خروجاً عن مثل هذه المآزق يجب أن يبنى التعليم على قاعدة تلبية متطلبات العصر الفعلية لا العاطفية.