فضل بن سعد البوعينين
لا خلاف على أن الموهبة الإعلامية تدفع بصاحبها نحو التميُّز والرقي في بلاط صاحبة الجلالة، إلا أن الإعلامي المتميز يمكن صناعته بطريقة احترافية، بعيدة كل البعد عن الطرق التقليدية المعتادة، كما يخلق المهندس والطبيب، والدبلوماسي. يُشكِّل التعليم القاعدة الرئيسة لصناعة الإعلاميين وإكسابهم المهارات المطلوبة، إضافة إلى خبراتهم المتراكمة وتجاربهم العملية التي تزيد من قدراتهم وتألقهم، غير أن بعض الإعلاميين والمثقفين شكَّلوا شذوذاً عن القاعدة، بعد أن أصبحوا ممن يُشار لهم بالبنان لأسباب تفضيلية مرتبطة بعلاقاتهم مع صنّاع القرار والساسة ما مكّنهم من الحصول على هالة (رئاسية)، وحظوة استثنائية استمدوا منها قوة الدفع الخارقة!.
شَرَّعت دول الخليج أبوابها لبعض الكُتّاب العرب، وأسبغت عليهم نياشين التميز والعطاء حتى باتوا أقرب لها من حبل الوريد.. وفي المقابل، عانى الإعلامي الخليجي من الإقصاء والتهميش، إلا من رحم ربي، ما تسبب في خلق أفضلية مصطنعة للإعلامي العربي الذي وجد في الكرم الخليجي غايته، وفي قنواتهم ووسائلهم الإعلامية متنفسه الذي قاده للسيطرة على الفضاء الإعلامي، ومصادر الكسب التي لم يكن يحلم بها لولا هالته الإعلامية التي استمدها من دواوين الرئاسة.
التّحيز للكتّاب العرب، أجحف في حق الكتّاب الخليجيين، وأضر بالمصالح الوطنية التي أصبحت لدى المنتفعين الوصوليين، سلعة تباع وتشترى.. فلا مباديء تحكمهم، ولا قيم تردعهم، ولا حياء يمنعهم من التّمترس في خندق العدو، حين المواجهة، وكأنهم كانوا ينتظرون فرصة التنفيس عما تختلجه صدورهم من غل وحسد. كم من الكتّاب العرب، والمحطات العربية المدعومة بأموال خليجية، ممن قلبوا لنا ظهر المجن، وأصبحوا أشد علينا من أعدائنا الظاهرين؟!.
الزميل الدكتور أحمد الفراج، كتب (بمرارة) عن طقوس التكريم التي يستأثر بها «ثلة ممن يُطلق عليهم كبار الكتّاب العرب»، والمزايا المالية التي يحصلون عليها، برغم «نظرتهم الدونية للخليج وأهله»، وأن معظمهم «ما زال ينظر للخليج على أنه ماكينة صراف آلي، ينتظر أن ينفد ما بداخلها، ليرحل إلى ماكينة صراف أخرى، دون التدقيق في مسألة المبادئ والقيم».
اختتم الزميل الفراج مقالته الجميلة بتساؤل مشروع تجاه أولئك «الكتّاب العرب» وأسلوب تعامل دول الخليج معهم، بقوله: «هل حان وقت إعادة التقييم؟!».
أجزم أننا في أمسّ الحاجة إلى إعادة تقييم إستراتيجيتنا الإعلامية التي يُفترض أن تحكم تعاملنا مع الكتّاب والإعلاميين ووسائل الإعلام العربية، وأن تساعدنا على إنصاف خبراء الإعلام الوطنيين القادرين على تحمُّل المسؤولية والدفاع عن مصالحنا الوطنية بأمانة وإخلاص وانتماء لا تخالطه المصلحة.
لدينا من المختصين والخبراء الإعلاميين في جميع التخصصات، ومنها الأمن والاقتصاد والسياسة والإستراتيجيات الدولية، القادرين على إيصال رؤيتنا الوطنية للعالم أجمع. أحسب أننا نمتلك من الكفاءات البشرية من يفوق بفكره وعلمه ووطنيته أصحاب الحظوة من الكتّاب العرب.
أزعم أن ضعف التأثير الخارجي يعود إلى غياب الإستراتيجية الإعلامية الكفوءة، واعتمادنا على الأجانب الذين يبطنون ما لا يظهرون ويدسون السم بالعسل، ويحاربون في وسائلهم ومنتدياتهم واجتماعاتهم كل خليجي وطني، إضافة إلى تهميش الكفاءات الإعلامية الوطنية القادرة على تمثيل الوطن بأمانة وكفاءة وحب وولاء. أجزم بحاجتنا الماسة لإعادة تقييم موقفنا الإعلامي، وإطلاق «عاصفة الحزم الإعلامية» لاستئصال الأورام السرطانية التي باتت تنهش الجسد الخليجي، وتضعفه لمصلحة أعداء الأمة، وإعادة تقييم وضعنا وسياساتنا الإعلامية وعلاقاتنا مع بعض «كبار الكتّاب العرب».