د. محمد عبدالله الخازم
أعلنت وزارة التعليم عن تعميم فكرة إيجاد صفوف للموهوبين وذلك من مبدأ ضرورة الاهتمام بالموهوبين والنابغين من الطلاب. وظاهرة الاهتمام بالطالب الموهوب ليست جديدة عالميًا، ومحليًا هناك زخم كبير في هذا الشأن بالذات مع موجود مؤسسة موهبة والرغبة في العناية بهذه الفئة المتميزة. باعتبار أن الاختراعات والريادة ليست عملاً يتميز فيه الجميع وإنما فئة النوابغ، وإذا لم نهتم بتنمية موهبة الطالب الموهوب، فإنها قد تتلاشى ولا تبرز مع الزمن.
ليس هناك اختلاف في أهمية الاهتمام بالموهوبين لكن هل هي طريقة مثالية تخصيص فصول خاصة بهم؟ هل سنوجد طبقية تعليمية بين الطلاب بحيث يكون هناك نخبة في المدرسة لهم فصول خاصة بهم وأخرى عامة؟ هل هناك آليات تصنيف واضحة يتقنها المعلمون والمديرين في مختلف المدارس لتقسيم الطلاب إلى موهوب وغير موهوب، أم سينتهي المطاف باعتبار الدرجات هي مقياس الموهبة؟ ما الأبعاد الاجتماعية والأكاديمية لتصنيف الطلاب وتصميم فصولهم بهذه الطريقة؟
أعرف أن هذه الفكرة تأتي متسقة مع سياق فكري سائد يعتقد أن الاهتمام بفئة ما يعني عزلها في مشروعات خاصة بها، فالاهتمام بالمرأة يعني وضع جامعة نسائية خاصة بها والاهتمام بالفقراء يعني إيجاد مجمعات خاصة بهم والاهتمام بالأيتام يعني وضعهم في مجمعات خاصة بهم... وهذه طريقة أسهل من تطوير التنظيمات التي تتيح خدمتهم من خلال بقائهم واستفادهم من فرص الاحتكاك بالآخرين، كإيجاد آليات وحاضنات تحتضن الأفكار الإبداعية وآليات تتيح مرونة في تسجيل مواد إضافية والترقي من مستوى لآخر للمتميزين، إلخ.
بعيدًا عن الأسئلة المتعلقة بالموهوبين، فإن ما يقلقني هو الفئة التي على الطرف الآخر من المعادلة.
ما يجب أن يقلق المسؤولين في قطاع التعليم، والقطاعات الأمنية والاقتصادية والفكرية هو نسبة الطلاب المتعثرين والذين يعانون صعوبات في مسارهم التعليمي والاجتماعي أكثر من غيرهم. حيث نشرت إحدى الصحف إلى أن هناك أكثر من 335 ألف طالب لم يتجاوزوا العام الدراسي الماضي ونسبة من حصل على تقدير مقبول بلغت 50 في المائة و25 في المائة حصلوا على تقدير جيد.
ليس لدي إحصائيات عن عدد المتسربين من التعليم العام ولكن مادامت نسبة الرسوب عالية بذلك الشكل فالمؤكد أن التسرب سيكون عاليًا. والأرقام ستكون أعلى من ذلك لولا طريقة التعليم الحالية التي تمنح النجاح للجميع، دون قياس دقيق لحضورهم وغيابهم أو لإتقانهم المهارات والمعارف المفترضة!
لقد قاد إلغاء وتقليص الامتحانات واختصار بعض المناهج إلى إيهامنا بأننا نحو الأفضل لأن التسرب لم يعد واضح قياسه، لكن الحقيقة المؤلمة هي استمرار ظاهرة التعثر في نظامنا التعليمي، وبشكل مقلق جدًا.
ظاهرة التعثر سواء بعدم اجتياز المرحلة الدراسية أو اجتيازها بمعدلات متدنية جدًا أو التسرب من الدراسة تعني باختصار مشكلات كبرى في بيئة وآليات التعليم بمختلف أبعادها، وهي مؤشر واضح على أن تعليمنا يمر بمرحلة حرجة. تركيزنا هنا على التعليم العام والتعليم الجامعي ليس بأحسن حالاً، وربما نخصص له مقالاً آخر..
الخلاصة هي أن الاهتمام يجب أن يكون بجميع الطلاب بما فيهم من هم على الطرفين الموهبة والتعثر أو التَّميز والتأخر.
نريد تعليمًا عامًا أساسيًا يهتم بالجميع ويهتم أكثر بالمتعثرين والمتسربين فهؤلاء يشكلون نسبة كبرى، وهم القنابل الموقوتة اجتماعيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
نريد أن نركز على التعليم في مراحله الأساسية حتى لا نضطر لدفع فاتورة أمنية واقتصادية واجتماعية كبرى لاحقًا.
هؤلاء المتعثرون هم ثروة البلد التي نهدرها ونهملها ثم نشتكي عطالتها وفوضويتها ومشكلاتها...