د. محمد عبدالله الخازم
الملاحظة الأولى: الولايات المتحدة رغم فترة العداء الشديدة بينها وبين إيران تفاوضت معها ووصلتا إلى اتفاق، صنفه المحايدون بأنه اتفاق الجميع فيه كاسب، ولا يمكن للجميع أن يكسب دون تقديم بعض التنازلات. تختلف وجهات النظر حول الكاسب والخاسر وفق رؤية الطرف المتحدث ومصالحه، فما قد نراه مكسب قد يراه الآخر خسارة. هذا ليس جديداً في لعبة السياسة، فقبل ذلك، وكما هو معروف تاريخياً فإن الدول الأوروبية بعد حروب عادت للتفاوض وبناء الشراكات المختلفة بينها، ومثلها اليابان والغرب. وغير ذلك من التجارب العالمية والتاريخية، التي تؤكد أن تجاوز لحظة الانفعال والنظر للمستقبل والمصالح المشتركة، يؤكد مبدأ « السياسة مصالح، لا عداء دائم فيها».
الملاحظة الثانية: سباق التسلح ليس هو السبب الرئيس الدائم للتقدم، بل التنمية والاقتصاد وبناء الإنسان. فهذه اليابان خسرت الحرب ومنعت من التسلح الذي يتجاوز متطلباتها الدفاعية والأمنية، فالتفتت للعلم والصناعة والتنمية فأصبحت ما نعرفه اليوم من قوة اقتصادية وصناعية وعلمية، ومثلها ألمانيا وغيرها من الدول. التسلح وبناء الجيوش ليس عنصر التقدم الأساس في عالم اليوم، بل إنه الاقتصاد والتنمية البشرية والإنتاج الصناعي وغيرها من عوامل التنمية.
لست كاتباً سياسياً، ولا أعرف الخطوط الحمراء من الخضراء للكتابة في هذا المجال، لكنني أكتب منطلقاً من الملاحظتين أعلاه، وكقلق ينتابني على منطقتنا من استهلاك قوانا ومصادرنا في دوامة الفعل ورد الفعل التي يكون الجميع فيها خاسراً. أكتب رأياً وقدر يراه البعض سطحياً لا يلم بالتعقيدات السياسية المختلفة. هذا الرأي، أطرحه كتساؤل؛ لماذا لا نفكر بنفس الطريقة ونصلح علاقتنا مع إيران - كشريك الند للند وليس كخضوع؟ لماذا تصر دول هذه المنطقة؛ إيران والدول المجاورة لها بما فيها دول الخليج، على العداء الدائم والبحث عن نقاط اختلاف لا تخدم مصالحها المستقبلية؟.
لسنا ضعفاء وقد عرفت إيران ثوابتنا من فعلنا في البحرين واليمن وغيرها من الميادين التي تطلبت إبداء جزء من قوانا. وبعد الاتفاق النووي ستبدو حكومة إيران -أمام شعبها وحلفائها، على أقل تقدير منتصرة أو تدعي الانتصار، مما يعني أن نشوة الانتصار قد تقود إلى التفاخر والإساءة للآخرين، فعلينا الحذر أن لا يجرنا ذلك إلى ردات فعل تأجج التنافس والصراع الطائفي والعرقي. لنبقى مختلفين وحذرين من بعضنا البعض، لكن ذلك لا يمنع من تقليص حدة العداء والبحث عن مشتركات ايجابية. لن نغير مذهب أحد ولن يغير مذهبنا أحد، لن نمحيهم ولن يمحونا، فلِمَ العنت في هذا الشأن؟.
بعد اتفاق الولايات المتحدة وأمريكا ستصبح إيران كعكة استثمارية كبرى، فلم لا يكون لنا نصيب من ذلك؟.. ربما تتفرغ إيران قليلاً للتنمية وأسسها التعليم والصناعة وتطوير الاقتصاد، وعليه يجب أن نكون أكثر جاهزية منها في هذا الشأن، إن نحن أردنا المنافسة معها ومع دول آسيا التي سبقتها كتركيا وسنغافورة وكوريا وغيرها من الدول. علينا أن نلتفت أكثر لبناء الإنسان المنتج والمبدع وعلى تطوير ذواتنا في كافة المجالات الاقتصادية والتقنية والعلمية والإنسانية.
ربما يعتبر أصحاب الفكر المؤدلج بأن هذا حديث مواطن سطحي ليس لديه تبحر في نوايا الشر من قبل الآخرين. لكن هو حقنا طرح وجهات النظر، طالما هي لا تسيء لوطننا أو تشكك في الثوابت المتعارف عليها. لقد تعبنا وأخشى أن تنهك قوانا الاقتصادية والتنموية ونحن نطارد منابع الفتن والإرهاب التي ماكان لها أن تنمو وتتجذر لولا تخلف دولنا العلمي والإداري ولولا إصرار البعض على تدمير الآخرين كوسيلة انتصار بدلاً من تطوير ذاته و إصلاح نفسه.