د. محمد عبدالله الخازم
سبق أن كتبت عدة مقالات حول إعادة هيكلة الهلال الأحمر السعودي، ومنها ما نشر في 24 ديسمبر، 2006 ، و 14 مايو، 2009 و 16 فبراير، 2012م. الفكرة الرئيسة التي تكررت في تلك المقالات ولها علاقة بموضوع اليوم تتمثل في فصل العمل الإغاثي عن مهام الإسعاف وكنت أرى أن مهام الإغاثة والمساعدات الإنسانية بالذات الخارجية منها لا تتسق والمهام الإسعافية الداخلية. وكنت اقترحت إعادة هيكلة الهلال الأحمر - كجمعية ثم بعد تحوله كهيئة - بحيث تتفرغ للمهام الإغاثية وليتحول الإسعاف إلى مؤسسة مستقلة أو يتم تخصيص خدماته تحت إشراف وزارة الصحة. بل و ذهبت أبعد من ذلك باقتراح دمج الإسعاف والإنقاذ / الإطفاء في مؤسسة واحدة ويبقى الدفاع المدني كمؤسسة إشرافية تنسيقية لأعمال الدفاع المدني والسلامة داخل المملكة. بمعنى أن يكون لدينا مؤسسة مدنية - وليس أمنية- للإسعاف والإطفاء تستفيد من التكرار الحاصل في مراكز الدفاع المدني والهلال الأحمر ويبقى الدفاع المدني كجهة معنية بالإشراف والتنسيق على أمور السلامة وفي حالات الكوارث التي تتطلب جهوداً تنسيقية بين قطاعات أمنية وغير أمنية مختلفة. في غالبية دول العالم لا نلاحظ الهلال أو الصليب الأحمر يتولى الإسعاف والإطفاء الروتيني، وإنما نراهم في الكوارث والإغاثة الإنسانية..
الآن؛ جاء إنشاء مركز الملك سلمان لأعمال الإغاثة، ربما ليحقق جزءاً من الفكرة أعلاه بصياغة أخرى. تحديداً يبدو بأن مركز الإغاثة سيكون الذراع المؤسسية الجديدة التي تتولى أعمال الإغاثة والأعمال الإنسانية السعودية في الخارج، وبالذات في حال استمرار دوره حتى بعد إنتهاء مهمته الحالية المتمثلة في أعمال الإغاثة والإنقاذ في دولة اليمن الشقيقة. وفي ذلك ازدواجية مع مهام الهلال الأحمر، مما يجعلنا نطرح الأسئلة؛ هل هو بديلاً للهلال الأحمر في جانب المهام الإغاثية والإنسانية الخارجية؟ أم سيتحول مستقبلاً ليصبح ذراعاً تنفيذياً للهلال الأحمر؟
وفي نفس السياق، أشير إلى أن الهلال الأحمر بدأ كجمعية أهلية، رغم أن الحكومة قامت بتمويله منذ البداية، قبل أن يتحول إلى هيئة حكومية. وقد طالبت حين تحويله إلى هيئة حكومية (انظر المقالات المشار إليها أعلاه) بتأسيس جمعية أهلية موازية، تتولى العمل الإغاثي والإنساني الأهلي، ويبدو أن ذلك الأمر لم يتحقق، ربما لعدم مبادرة الأهالي لتبني الفكرة أو لعدم حماس الجهات الرسمية لإنشائها! وأكرر نفس الفكرة بالنظر في تأسيس هيئة إغاثة أهلية، قد تكون هي الهلال الأحمر في حال فصل الإسعاف في مؤسسة محلية أخرى وحولت أعمال الإغاثة الرسمية لتكون تابعة لمركز الملك سلمان الدولي للإغاثة.
فكرة إيجاد جمعية إغاثة أهلية تدار كأي هيئة نفع عام سيكون إضافة إيجابية و سينشط العمل الخيري والإغاثي والإنساني والتطوعي الخارجي ليكون ذات استقلالية إعتبارية. لتوضيح الفكرة، ربما لو كانت لدينا جمعية أهلية تعنى بالعمل الإنساني الإغاثي الخارجي لرأينا لها جهوداً أهلية أكبر في دعم أشقائنا باليمن الشقيق، سيما و هناك المواطنين و المقيمين الموسرين ممن له ارتباط وجداني أو تاريخي أو وطني باليمن وأهله وحتماً لن يترددوا في دعم أي عمل إنساني يكون رافداً لما يقوم به مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. مع التأكيد أن الفكرة هنا ليست عجز الحكومة عن إدارة العمل الإنساني ولكن هي جزء من طبيعة الأعمال الإغاثية محلياً وخارجياً، دائماً ما نجد بأن العمل الأهلي أكثر مرونة وحركة ويكون له مردود أسرع وأجدى وهو في النهاية داعم للحكومي. بل إنه في حالات سياسية، تحتاج الدول إلى أذرع أهلية ترفع عنها حرج التدخل الرسمي في المساعدات والأعمال الإغاثية الخارجية...