عبدالحفيظ الشمري
لكي لا يقال عنا إننا بلاد تعتمد على النفط، ومجتمع ينغمس بالاستهلاك، ويحب المظاهر، ويكثر الجري وراء كل ما هو شكلي.. فعلينا إزاء أمر كهذا أن ننهض جميعاً نحو استثمار ايجابيات حياتنا، وجماليات تاريخنا، وماضي أهلنا العفوي، لنجعل منه جسراً نحو بناء حياتنا ومستقبلنا، شأننا بذلك شأن الكثير من الدول التي تتفانى في إظهار تاريخها والتباهي به أمام الأمم، بل وتسويقه والاستثمار به ليس مادياً فحسب إنما معنوياً من خلال عرضه ثقافياً ومعرفياً وإعلامياً.
وحينما نشير إلى أن العمل الآثاري تتراخى مفاصله فإننا نلمح أن هناك من لا يعبأ بتفاصيل ماضينا ومنجزاته، فلا يلتفت إلى أي شيء له علاقة بالماضي، حتى انه قد لا يستسيغ للأسف عرض التراث المحلي، ليسمه بأنه منجز لا يعنيه، فأمام هذه الظاهرة السلبية لا بد لنا إلا وأن نتحرك في اتجاه عمل وطني يهتم بهذا الموروث، ويؤصل منجزات الآثار، ويشد على أيادي العاملين في حقل المتاحف والأماكن التراثية والمباني القديمة والأدوات التي كان يستخدمها سكان المناطق في بلادنا كل حسب بيئته وتكوينه الجغرافي وامتداده الحضاري، وأن نسعد بهذا التراث الذي حوته أرض بلادنا، فتنوعه لا شك أنه مصدر ثراء للمنجز الثقافي والإنساني الذي نفاخر به.
فمن المفيد والمناسب لأجيال اليوم أن تتحرك نحو التراث والآثار والتفاعل مع تفاصيله من منطلق وعي بأهمية التجربة، وأن يعمل الجميع وفق المتاح، ليمر العمل بمراحل وأنظمة ومعاملات رسمية سريعة ومرنة، لتسهيل قيام بعض المشاريع الربحية والتجارية التي تروج لمنتجات التراث والآثار والحرف والمشغولات والبيوت الريفية القديمة والمزارع التي يمكن أن تستثمر كمتاحف تُعَرّف بالمنجز الزراعي ووسائل الزراعة واستخراج الماء، من أجل أن تكون عامل جذب لمرتادي هذه الأماكن القديمة.
وحينما نسلط الضوء على الأعمال المتعلقة بالآثار باعتبارها الجزء العملي المهم من بناء علاقتنا بالماضي، ندرك أن هذا المشروع الإنساني يعترضه الكثير من المعوقات، إلا أن هناك جهوداً تبذل من أجل تذليلها على نحو ما يواجهه مهندسو المواقع والمنفذون وعمال المسح والتنقيب والحفر في الأماكن الأثرية.
إلا أننا حينما نتأمل آليات العمل والتحديات نقف على بعض المشاهدات التي تحتاج إلى إعادة صياغة وترتيب، فمثلاً حينما يتم ربط الكثير من مشاريعنا التراثية ولا سيما ما يتعلق بالآثار ببعض الأقسام والكليات في الجامعات فهذا الحصر قد يضيق خصوصية العمل في هذا المجال.
وما فشل وتراخي الأعمال الثقافية لدينا ـ على سبيل المثال ـ إلا بسبب تصدي كليات الآداب للعمل الثقافي، حيث استحوذت على مفاصله، مما جعله محصوراً بفئة معينة، وهذا قد ينسحب بالضرورة على عالم الآثار والتراث بشقيه المعنوي والمادي، وقد يعيق تطوير آليات العمل فيه.
فنحن هنا لا نصادر أو ننتقص من حقوق العاملين في مجال الآثار، فقد عمل اضمامة من الباحثين والمتخصصين ومعهم طواقم فنية وعمال حفر في هذا المجال، فقد أبلوا بلاء حسناً، إلا أننا نطمح إلى المزيد من التطوير، وان لا ينحصر هذا الجهد في مجال محدد، أو قسم من أقسام كلية أو إدارة، بل إن رعاية التراث وتقديمه للناس يكون بطريقة متميزة وبحس وطني يستشعره الجميع.