عبدالحفيظ الشمري
«عِيِدٌ سَعِيدٌ، وَعُمْرٌ مَدِيِدٌ».. ليس أجمل من جملة كهذه، تهديها لمن حولك، وتدعو بها للأحبة بمناسبة هذا العيد الذي ودعنا قبل أيام قليلة.. فأيامه كالورد حينما ترق الحياة، وكالابتسامة لحظة أن تهنأ النفوس، وهو الفأل الباقي لنا في هذه الأيام.. فلا يمكن لنا أن نتصور أن الحياة ستمضي بلا أعياد، أو محطات مباهج.
أهناك من يجعل الحياة تغني أنغام الجمال في حضرة العيد؟..نعم.. ربما الطفولة هي الأقدر على أن تتفاعل مع حدث إنساني كهذا، فالكبار في السن قد يعانون خيبات لا تُمْسَحُ، وأماني لم تتحقق، وأحلام لم تُعَبِّرَ عن فألنا كما يجب.. حتى إن العيد قد يحل ولا تجد من يأبه به؛ سوى هؤلاء الصغار الذين قد يحسنون ببراءتهم التعامل معه، ليكونوا معه أكثر لباقة منا في استقباله، والترحيب به.
وحينما نتأمل أعيادنا نشعر بأن هناك ما ينقصها فعلاً، إذ تتطلب مزيدا من الحضور الوجداني النقي، والالتفات إلى معاني العيد وأهدافه ومراميه، أي أنه لا بد أن نسعى من خلاله إلى أي فأل يقربنا إلى حياة البراءة والود، وصفاء هذه الأيام وجمالها، ويفاعتها، فالعيد كطفل وليد بعمر ثلاثة أيام فقط، إلا أنه يزن في الحضور شهورا وأياما من حياتنا.
أما حكاية فيروز وأغاني الورد والعيد فإنه تغريد للجمال يظل في الذاكرة والذائقة لعقود، وبما أن الفنان جزء من حياة المجتمع، فلا بد له أن يتفاعل مع قضايا الأمة صغيرها وكبيرها.. فلفيروز الشكر حينما غنت في زمن الفن الجميل.. ذلك الذي بات سيرة لتفاصيل كانت، وأثرا بعد عين.. فلملم يا أبا الشدو الجميل -إن استطعت- شتات الذكرى لعلك تخرج بجملة معبرة عن فرح جميل، أو أمل فائق.. على نحو فأل فيروز وأغانيها الشغوفة بحياة الريف، وورد الأعياد، ومباهج الأفراح العذبة.
وللورد أن يردد معها.. رغبة في مد جسور من الألفة، فلا شيء يبقى الآن سوى ملامحه وشذاه العَطِرِ، رغم أن مشهد ما في حياتنا الآن يجعل فيروز، أو ماجدة الرومي، أو مرسيل خليفة، أو أسيمة، وآخرين، يصمتون عن أي غناء يحرك الوجدان.. بعد أن جفت الورود الشامية، وقتلت العصافير، وفرت الحمائم في كل مكان، فلم يبق سوى أنقاض المدن ورائحة الدمار.
ففيروز غنت آنذاك للبراءة وللأطفال الذين لم يعودوا في براءة الصبي، ومراتع اللهو، إنما كبروا وهرموا وشاخت أيامهم، بل إن مدناً تحطمت مع تحطم قلوب أهلها، وخواطر كسرت، وما وجدت من يجبر فيها.. لكنها حينما تغني في صباحات العيد لا بد لها إلا وأن تحاول ما استطاعت أن تجمع شتات العمر من كل مكان، حتى وإن كان كورود جففت في إناء الفأل.. فما أجمل من أن تغرد للجمال بصوت ساحر أنيق، لتوقظ الورد وأحلامنا، وترفأ الفارق بين حلم الطفولة الجميل، والعيد السعيد.
دان.. دان.. دوزن أمانيك -إن كانت خفافاً- على مقامات الروح المعبأة بشجن البدايات الجميلة للحياة، وأشح -قدر المستطاع- عن انتكاسات العمر المتهاوي بسرعة عجيبة.. فلعلك تقول لِمَ رَقَّ من أيام الفأل، وغبش العيد.. وللورد النائم في أكف الطفولة: «اصحى يا ورد.. غنت فيروز» .