عمر إبراهيم الرشيد
في ظني لم تعش دولة الاحتلال (إسرائيل) حالة أمان مثل ما تعيشه في هذه الفترة، وأقصد بالأمان هنا ندرة الهجمات ضدها بشكل عام، وهذا من بركات انشغال العرب بأنفسهم عن المواجهة الفعلية لأعدائهم وأولهم الصهاينة المحتلون إلى جانب الصفويين الفرس ومن اتبعهم ويعمل على تحقيق مآربهم وأهداف الصهاينة على حد سواء، بعلمهم أو عن جهل وقصر نظر لا يتعدى أنوفهم.
قلت إن حكومة الاحتلال آمنة وهذا مشاهد ويدركه تلميذ المرحلة الابتدائية، إذا نظر إلى هذا الشرق العربي المصطلي بنار حروبه، بسواعد أبنائه وبكل أسف، تحركهم أيادٍ من وراء الستار. وهنا تقفز إلى الذهن الجمعي (نظرية المؤامرة) كما يجترها الكثيرون منّا ردًا على من يقول بالدور الخارجي لما يحدث في البلدان العربية المضطربة. نعم هناك مؤامرات وليست مؤامرة واحدة، وهي تستغل الطابور الخامس وضعاف النفوس ومريدي التخريب في بلدانهم لمآرب في أنفسهم، هذا لا شك فيه. إذا هناك تضافر بين أولئك (المتآمرين) وهؤلاء المطايا من مواطنين عرب ومسلمين رضوا بذلك الدور، فلا يستقيم إلقاء اللوم وتجريم المتآمرين كليًا بما يحدث لبلدان عربية وإسلامية من تخريب وتدمير وتبرئة ساحاتنا العربية لإخلاء مسؤوليتنا عمّا يحدث.
إذا فالمسألة لاتحتاج إلى فلسفة فالعدو لن يتمكن من دولة وشعب طالما كانت هذه الدولة وهذا الشعب متماسك متعاضد قوي البنيان، وسيسهل عليه النفاذ والاختراق إذا كان هناك طابور خامس ومعاونون سهلت عليهم خيانة وطنهم وشعبهم. إذا المؤامرات موجودة وقديمة قدم البشرية فلا مبرر منطقيًا للرد بمصطلح (نظرية المؤامرة) التي صار يلوكها العارف والجاهل لنفى التهمة تمامًا عمن يتربص بالأمة، وما يحدث في اليمن أسطع دليل على ما نقول، فمن هم الحوثيون لولا الدعم الفارسي وما كان للفرس من اختراق لولا العون الحوثي ممن خانوا اليمن وطنهم وترابهم.
وكان للوثبة الضارية للمملكة وأشقائها أن أبانت للتمدد الصفوي حجمه وأن الأمتين العربية والإسلامية لم تمت رغم مرضها بل هي في طريقها للتعافي بإذن واحد أحد، بالرغم من أزماتها وجراحها، وأن الفجر يطلع بعد اشتداد الظلام.
والأمر ينطبق كذلك على فلسطين المحتلة، فما حيلة حكومة الاحتلال لولا تمزق المحيط العربي من جهة، والدعم المهول من الولايات المتحدة ودول أوروبا من جهة أخرى. ألم تشهد منظمات دولية حقوقية بأن الحرب الإسرائيلية على غزة هي جريمة بحق أبرياء عزل وقتل وتدمير وجرائم حرب واضحة؟، فأين دعاة حقوق الإنسان في أمريكا والغرب والحكومات تحديدًا من تلك التقارير، بل أينها من آخر جرائم المستوطنين المتمثلة في حرق طفلة رضيعة لم يجاوز عمرها الثمانية عشرة شهرًا؟. ثم يأتي من يلوك لسانه ويقول لك: كف عن (نظرية المؤامرة) وقد لا يعلم حتى مدلولها ولا معناها.
والمثير للسخرية السوداء أن رئيس حكومة الاحتلال (نتن ياهو) أدان هذه الجريمة في محاولة دعائية أمام أنظار العالم الذي بدأ منذ سنوات يصحو على حقيقة (الدولة الديمقراطية الوحيدة) في الشرق الأوسط، أقول بدأ العالم يصحو منذ سنوات عدة ولكن للأسف الشديد انصرف تركيزه على ما يحدث في دول عربية وإسلامية من حروب واقتتال ودماء تجري، ظهرت معه حكومة الإرهاب والاحتلال الصهيوني أمام الإعلام العالمي وكأنها حمل وديع، مقارنة بما يحدث من مارق سوريا الذي يدمر بلده وشعبه ليل نهار، وغيره من دمى الإرهاب تؤدي ما هو مطلوب منها في العراق واليمن والخليج والمغرب العربي.
رحم الله شهداء الواجب من الذين يسهرون ويرابطون على حدود هذا الوطن وداخله في مدنه وقراه وفيافيه للذود عنه ضد أعدائه من جهة، وضد من أعمتهم غواية الشيطان وممن ينتسبون إلى البشر الذين يتربصون بالإسلام وداره ومهبط رسالته، وبقية الدول الإسلامية، الذين يخدمون الأعداء أعظم خدمة، ولكن مكر الله شديد.
قلت دولة الاحتلال (آمنة) مجازًا بالطبع، أو قل هو استخدام للكلمة ساخر، بالنظر إلى القلاقل التي يمر بها محيطها العربي للأسف الشديد، وإلا فإن هذا الكيان المحتل مأزوم يعيش حالة من الخوف المزمن لمن يتمعن في سلوكه. فالجدار العازل أسطع دليل على ذلك وتعاملها مع الشعب الفلسطيني الصامد بتلك الرعونة والوحشية إنما هي دليل آخر على النفسية المسكونة بالعقدة التاريخية والرعب نتيجة اليقين بالذنب!.