عبد الاله بن سعود السعدون
عاش الشعب العراقي عقداً ونيفاً تحت ظروف معيشية قاسية، من نقص حاد في توفير الخدمات العامة، ويأس من الوعود المخدرة التي كانت تطلقها الحكومات السابقة مع ارتفاع هائل في نسب الفساد المالي والإداري في فترتي حكم نوري المالكي والذي يتهمه المتظاهرون في جميع محافظات العراق بتبديد وسرقة أكثر من سبعة وعشرين مليار دولار، واحتلال العراق لمرتبة الشرف الأولى في الفساد!
بدأت الشرارة الأولى للتظاهرات في مدينة البصرة بعد الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي وبلوغ معدلات درجات الحرارة لأكثر من خمسين درجة مئوية، وشملت حركة التظاهر الشعبي معظم المحافظات الجنوبية والتي كانت مراكز قوة للأحزاب والكتل المذهبية الطائفية، إلا أن نفاد صبرهم من وعود تجار السياسة وكذبهم الدائم أدى إلى هذا الانفجار الشعبي ضدهم، ومطالبة المتظاهرين بمحاكمة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لفساد حكومته وسرقة المال العام، والمطالبة الفورية بتوفير الخدمات العامة، والكهرباء والماء الأولوية في التنفيذ لعلاقتهما بكل أوجه الحياة المختلفة، والمطالبة بمحاكمة المسئولين عن ضياع أكثر من مئة مليار دولار لا يعرف أين صرفت في عهد المالكي.
لقد أشرف على تنظيم هذه التظاهرات الشعبية نخبة من الشباب المثقف المستقل، يتعدى عددهم الآلاف وبمطالبة حضارية منظمة أذهلت أركان حكومة العبادي الذي بادر بتأييد مطلب المتظاهرين وجير كل الفساد ونقص الخدمات لحكومة المالكي وتحمل الشعارات المطروحة في هذا الحراك الشعبي الاتجاه نحو دولة المواطنة ونبذ الإسلام السياسي الطائفي ومن يمثله من الأحزاب المذهبية والكتل السياسية وعلى رأسها حزب الدعوة الحاكم والذي يمثله في الحكومة الحالية العبادي رئيس الوزراء والمالكي نائب رئيس الجمهورية وأمينه العام... وأمام العبادي اختيار صعب، أما أن ينفذ مطالب الجماهير الشعبية الثائرة أو الاستقالة والعودة للحزب الذي رشحه والمغضوب عليه شعبياً حزب الدعوة الإسلامية والذي يحكم العراق لأكثر من اثنى عشر عاماً وبدد أكثر من تريليون دولار، وتراجع الخدمات العامة لدرجة الصفر، وارتفاع نسب الفقر والبطالة لأكثر من 35%، ويتحمل المالكي بصفته رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وأمين عام حزب الدعوة الحاكم سقوط الموصل واستيلاء عصابة داعش لهذه المحافظة الثانية في العراق وامتداد نفوذها لأكثر من ثلث مساحة العراق، وما نتج عن إجرام مرتزقة داعش من قتل وذبح وتهجير أبناء هذه المناطق المنكوبة. ويتحمل المالكي تبعات جرائم داعش بصفته الرسمية والحزبية.
الملاحظ أيضاً أن الشعارات التي نادى بها المتظاهرون وطنيه تعبر عن وحدة الشعب العراقي الصابر والإصرار على الاستمرار في حراكهم الشعبي حتى تلبى مطالبهم في توفير الخدمات العامة ومحاكمة المالكي وفريقه الفاسد ومناشدة السيد مدحت المحمود رئيس هيئة القضاء الأعلى ومعه المدعي العام باستدعاء كل المسئولين عن سرقة المال العام وعلى رأسهم المالكي وإلا يقدم كل أعضاء هيئة القضاء العام استقالاتهم.
كما أيدت المرجعية الدينية الشيعية في مدينة النجف المتظاهرين ودعا ممثل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني حكومة العبادي للاستجابة لمطالبهم المشروعة، وأكد على محاسبة المقصرين والفاسدين في عهدي نوري المالكي!!
واشتدت حرارة المطالبات الشعبية والتلويح بالعصيان الشعبي في مدينتي كربلاء والنجف مما يعطي مؤشراً على الجدية والإصرار على تنفيذ هذه المطالب وسقوط الشرعية الشعبية المزعومة للأحزاب المذهبية الطائفية والتي كان حزب الدعوة الحاكم يعتمد على تأييدها ودعمها في الانتخابات البرلمانية.
الذي تخشاه المنظمات الوطنية المستقلة المشرفة على هذا الحراك الشعبي من تسلل ميليشيات الحشد الشعبي بداخله وتحويل مساره لصالحهم سياسياً لآمالهم بسحب كرسي السلطة من نوري المالكي وحزبه الدعوة الإسلامية ودخولها للمنطقة الخضراء. وهذه الميليشيات المتنافسة والمسلحة تخضع لسيطرة قاسم سليماني والحرس الثوري الإيراني. وقد أعدت نفسها كبديل سياسي للأحزاب المذهبية الطائفية المشتركة في حكومة حيدر العبادي الحالية والذي تدعوه نداءات المتظاهرين ومعهم دعم المرجعية الدينية العليا لاتخاذ قرارات شجاعة تخدم العدالة والمصلحة الوطنية العراقية العليا ونبذ التخندق الحزبي والطائفي الضيق بتقديم كل الفاسدين للقضاء وتركهم لسلطة القانون تقتص من الفاسدين واللصوص وعلى رأسهم نوري المالكي وزمرته الطائفية والضرب بيد من حديد على كل من استغل منصبه وانتماءه الحزبي من رجال الحكومة السابقة لنهب المال العام.
المرحلة القريبة القادمة ستشهد تغيرات جذرية ومهمة في المشهد السياسي العراقي وقد تكون الفرصة الثمينة والنادرة لإحداث التغيير في المسيرة السياسية الوطنية والتي نتمنى مخلصين أن تعيد لأشقائنا أبناء الشعب العراقي حقوقه الوطنية والسياسية كاملة ويتمتع بثروته القومية من أجل رفاهة ونهضة اقتصاده وخلاصه من إرهاب عصابة داعش وتوحيد ترابه الوطني.