قاسم حول
نور نور نور.. أنيروا روسيا!
بهذه العبارات نطق قائد ثورة أكتوبر في روسيا بعد انتصار ثورته عام 1917! وكانت ثورة الكهرباء قد أعلنها في الحياة قديس أمريكا «توماس أديسون»، وغيّرت العالم ومكنت القاطرات التي أخترعها توماس أديسون نفسه من السفر بين بلدان العالم وفتحت صالات السينما والمسارح أبوابها ليلا.
وأنيرت الشوارع واختفى لصوص الليل وبقي فقط لصوص النهار!
بقي لصوص النهار في العراق!
واليوم ومع ارتفاع درجة الحرارة في العراق، إِذْ بلغت خمسة وخمسين درجة مئوية وتحت وطأة جحيم الحياة وجحيم القيظ، تنقطع الكهرباء في البلاد أكثر من عشرين ساعة في اليوم وسط جحيم الطقس عندما أحرق الدكتاتور حزام النخيل والأشجار التي تعانق المدن العراقية بحجة الخوف من تسلل الجنود الإيرانيين، ومنذ سقوطه لم يزرع العراقيون فسيلة نخل واحدة، فارتفعت درجات الحرارة وازدادت جحيما بسبب تفتت الحصى تحت جنازير الدبابات.
ثمة سؤال يطرح نفسه في العراق، فالطاقة الكهربائية تنتج إما من الهواء أو من الماء أو من الشمس أو من البترول وكلها متوافرة في العراق. ولكن ثروة العراق انتقلت من خزائن الدولة إلى حسابات لصوص النهار خارج الوطن العراقي.
فجأة وعبر مدونات التواصل الاجتماعي تنادى الشباب، شباب الوعي وشباب الحرص على الوطن، تنادوا للحراك وحدهم.. مجموعة من المهتمين بالثقافة وهواتها وليسوا من المحترفين، تنادوا للوقوف في ساحة التحرير تحت وهج الحرارة في الساعة السادسة من مساء يوم الجمعة، يوم يتوجه الناس للصلاة في الجوامع وبيوت العبادة فيتوجه هواة الثقافة نحو ساحة التحرير يؤدون صلاتهم الوطنية مطالبين فقط بحقهم في الكهرباء لأن الأطفال يموتون من حرارة القيظ، يموتون حقيقة لا مجازاً. سرعان ما تطورت الفكرة وعمت التظاهرات مدن العراق. حراك ثقافي من شباب الوعي والحس الوطني، خرجوا نيابة عن الناس ليعلنوا أصواتهم وسرعان ما انكشفت الحقيقة أن معامل إنتاج الطاقة الكهربائية جاثمة في ميناء أم قصر في البصرة منذ سنوات ولا توجد أموال في المصرف المركزي لنقل المصنع من البصرة إلى بغداد ولا المال لبنائه، حيث تخلى لصوص النهار عن إتمام الصفقة، لكن هذه الكهرباء فتحت ملفات الفساد فصار الناس كل الناس يملأون الساحات في كل يوم جمعة متوجهين إلى ساحات التحرير في بغداد وكل محافظات العراق. لم تنفع الفضائيات التي كانت تتستر على لصوص النهار وهي الناطقة بلسانهم، فضائيات كانت تبرر غياب الكهرباء عن الوطن وإشغال المواطنين بأحاديث تلفزيونية لا معنى لها، أحاديث تلفزيونية لا تضيء مصباحا واحدا في عتمة الليل. الكهرباء التي تنتجها هولندا من الهواء ومن الطاقة الشمسية الخجولة فإنَّ طاقة العراق الشمسية تستطيع أن تختزنها صفائح الكهرباء الشمسية وتزود الناس بالكهرباء مشعة دونما انقطاع، لكن تلك الطاقة الشمسية لا تجدي لصوص النهار نفعا فملأوا البلاد بالمولدات الكهربائية التي ملأت العراق دويا وضجيجا وزادت تلوث الهواء تلوثا.
اليوم في العراق ثورة حقيقة يقودها الشباب المثقف وهم يرفضون مشاركة الأحزاب في المظاهرة، لأنهم أعلنوا أن الأحزاب يمثلون المشكلة ولا يمثلون الحل، فالوزراء المتربعةن على كراسي الوزارات والمتنعمون في كهرباء دائمة في المنطقة الخضراء هم مرشحو تلك الأحزاب وتلك المافيات، ولذلك رفضوا أن يسمحوا لهم المشاركة معهم في تظاهرات الاحتجاج خشية أن يفرغوا التظاهرات من محتواها التي تحولت من تظاهرة مطلبية في الحصول على الكهرباء إلى ثورة سلمية لا تقبل المساومة، ثورة تطالب بفتح كل ملفات الفساد التي بلغ النهب فيها منذ عام 2003 حتى نهاية عام 2014 خمسمائة وخمسة وثمانين مليار دولار حسب واشنطن بوست بالأرقام والأسماء!
يوم الجمعة هو يوم النداء الثقافي الشاب، شباب في أول القراءات وأول المعرفة وأول الوعي، يقفون في ساحة التحرير مسالمين وهم يرفعون اللافتات ويرددون الشعارات بحقهم في حياة كريمة، وهم إذا كانوا اليوم واقفين في ساحة التحرير أمام نصب الحرية فإنَّ الأيَّام القادمة سوف لن تبقيهم واقفين إنما سوف يتوجهون مشيا نحو المنطقة الخضراء ولن توقفهم الآليات العسكرية.
ثمة مقولة في وزارة التخطيط حيث يعمل فيها عدد كبير من الموظفين والعمال والخدم. هذه الوزارة يفصلها عن المنطقة الخضراء شارع واحد، وهم يرددون أن من يستطيع عبور الشارع سوف يرتفع مرتبه الشهري من خمسمائة دولار إلى عشرة آلاف دولار «وهو راتب الحد الأدنى في المنطقة الخضراء».. هذا الشارع سوف يعبره الغاضبون هذه المرة وسوف يجدون البرلمان خاليا من نواب الشعب والوزارات في المنطقة الخضراء خالية من منتسبيها ويستغربون كيف كانت تدار الدولة طوال هذه السنوات؟!
نور نور نور.. أنيروا العراق!