د. محمد عبدالله الخازم
نحتاج أحيانًا معرفة موقعنا وسط هذا العالم، ومعرفة تطورنا مقارنة بدول العالم، فهل يوجد معيار واحد يتفق الجميع بدقته وقبوله من الجميع؟ الإجابة ستكون سلبًا لأن الفكرة برمتها تعتمد على نظرتنا للتقدم، فما قد اعتبره تقدمًا قد يراه آخر غير ذلك. البعض يرى المقاييس المالية هي التقدم وتتمثل في الدخل العام والدخل الفردي والبعض الآخر يراها معايير غير دقيقة. رغم ذلك فإن أحد المعايير الرائجة عالميًا يتمثل في مؤشر التقدم - الرفاه الاجتماعي وهو الذي يؤكد أن القوة المالية مهمة لكنها ليست الأساس بدليل أن دولاً مثل تونس وأوكرانيا وكولمبيا تقدمت على المملكة في معيار التصنيف الاجتماعي بالرغم من أنها اقتصاديًا تعد أقل من المملكة، بمقياس الدخل العام أو دخل الفرد. مؤشر الرفاه أو التقدم الاجتماعي تستخدمه بعض الدول لقياس تقدمها في عناصره من عام لآخر، سواء على مستوى الدول كما تفعل البارجواي أو المدن كما تفعل ريوديوجانيرو، ويوثق به كمعيار لاعتماده على أكثر من مصدر رسمي في معلوماته مثل اعتماده على المعلومات الواردة من منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، منتدى الاقتصاد العالمي ومركز بيو للأبحاث.
كما هو متوقع أتت على رأس قائمة دول الرفاه الاجتماعي النرويج والسويد وسويسرا وأيسلند ونيوزلندا وكندا. المملكة كان ترتيبها 69 من بين 133 دولة وتقدمت دول عربية مثل تونس والكويت والإمارات علينا في الترتيب العام. الترتيب العام لوحده لا يكفي لفهم المؤشر الذي يحوي 52 عنصرًا تم تصنيفها تحت ثلاثة محاور رئيس هي الاحتياجات الأساسية للإِنسان، أساسيات التقدم التنموي (well being)، والفرص المتاحة.
في المحور الأول بفروعه الأربعة جاءت درجة المملكة 82.87 في المائة وهو الأسهل لأنه مرتبط بالجوانب المادية كجانب التغذية، والصحة العامة والمياه والصرف الصحي والملاجئ والسلامة الفردية. وأعتبره الأسهل لأنه يحتاج عملاً تنمويًا جبارًا وليس بالضرورة تغييرات فكرية أو مصادمات اجتماعية لتحقيقه. أقل العناصر حققنا فيها درجة في هذا المحور هو السلامة الفردية وقد حصلت المملكة فيه على درجة 69.34 في المائة!
في المحور الثاني والمتعلق بالوصول للمعلومات والتعليم والعلاج الطبي والاتصالات والنظام البيئي، لم يكن الوضع بأحسن حالاً من المحور الأول وبلغت درجته 86 في المائة، وكان أسوأ عناصر هذا المحور هو النظام البيئي في المملكة وجاءت درجته 49.75 في المائة.
المحور الثالث، محور المستقبل، محور الفرص المتاحة والمشاركة. للأسف المملكة حظيت بنقاط متأخرة في هذا الشأن، وتحديدًا كانت نقاطها في هذا المحور 55.81 في المائة وعناصر المحور تتعلق بالحرية الشخصية والخيارات الفردية والحقوق الفردية وغيرها، ففي مجال الفرص المتاحة للتعليم حصلت المملكة على 47.24 في المائة فقط وتقبل الآخر والتنوع حصلت على 45.64 في المائة وفي الحقوق الفردية كانت الدرجة الأقل وبلغت 9.28 في المائة فقط.
لست أترجم وألخص هنا لمجرد الاستعراض أو جلد الذات، لكن لغرض التعرف على موقعنا وكيف نحسنه. تفاصيل المؤشر متعددة وبعضها يحتاج إلى فهم التفاصيل وآليات قياسها، وتلك مهمة الجهات المعنية التأكَّد من مصادر المعلومات التي استقاها التقرير وتصحيح الخطأ، إن ورد. الأهم من ذلك هو العمل على تحسين وضعنا في جميع المحاور، بحيث يكون لدينا أهداف وآليات لتقليص الفجوة في هذا الشأن بيننا وبين الدول المتقدمة.
بلا شك نحن ندرك بأن لنا موقعنا المقدر في العالم كقوة اقتصادية ومقر لقلب العالم الإسلامي، ولا نجادل في ذلك، لكن عندما يأتي الموضوع لمعايير مقننة فالأرقام هي مصدر الثقة، والعمل على تحسينها هو إحدى وسائلنا للوصول لمستوى العالم المتقدم. أتمنى دراسة تجارب الدول العشر الأول في هذا المؤشر والتعلم منها كيف تقدمت؟ وكيف يمكن أن نقترب منها؟