عبدالعزيز السماري
في ظل ما يتردد من أخبار صادمة عن تطبيقات دولة داعش للشرع في شمال العراق، تغيب أصوات علماء الشريعة عن الرد عليها، وهل ما يفعله الدواعش يدخل ضمن تطبيق شرع الله؟، أم هو انحراف عن الدين الحنيف، كان آخرها ما تتناوله وسائل الإعلام بمختلف مصادرها عن اغتصاب القاصرات والنساء تحت فصل السبايا التي أحل الله لعباده المؤمنين..
لازالت قضية الرق وامتلاك الإنسان لأخيه الإنسان بصك شرعي قضية يحتدم حولها الجدل بين المسلمين، ولازال بعض العامة في موقف الدهشة بسبب الممارسات الوحشية في السبي والاغتصاب باسم الشريعة، ومصدر ذلك أن الموقف الشرعي لم يصل بعد إلى الحسم في الموقف منها، وقد حصل في زمن منع الرق في المملكة جدل بسبب مخالفته للشريعة، وكان الأمر مقبولاً عندما تم تخريج فتوى التحريم على أن مصادرها مشبوهة، وجاءت من أساليب النهب والسرقة وقطع الطرق، وليس من جهاد الكفار.
وهو ما يعني أن الموقف الشرعي لم يصل بعد في موقفه من الرق إلى القطيعة، وإلى أن حقوق الإنسان وحريته تتوافق مع روح الشريعة، وأنها تتطور حسب تغير الزمان والمكان في الأحكام المدنية والجنائية، وعلى المفتي مواكبة العصر في كثير من أحكامه التي لا تتعارض مع مقاصد الشريعة، ولهذا السبب لا يزال المسلمون يختصمون حول الفهم الشرعي الصحيح للدين، ولهذا جاءت داعش لتفجر الجدل، وتضع المسلم أمام أمرين إما داعش أو الانضمام إلى ركب الحضارة، ويتحمل ذلك علماء الدين الملتزمو الصمت حول ما يجري من جدل.
لم تتوقف تطبيقات داعش للشريعة عن إثارة الجدل، فقد روجوا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي للقواعد والنصوص الشرعية التي اعتمدوا عليها في قضايا الحرق والنحر للرقاب، وتم تصوير تلك الأحداث، وكأنهم يقولون لرجل الشارع هذا هو التطبيق الصحيح للشرع، وفجروا قضية في التعايش عندما طالبوا من المنضمين حديثاً لهم أن يبدأوا بقتل أقاربهم المخالفين للشرع حسب داعش.
ما فعلته داعش كان صدمة لكثير من المسلمين، فقد كان المسلم العامي وأنا أحدهم، يحمل في وعيه تصوراً طوباوياً ومثالياً جدا عن تطبيق الشريعة، والتي تمثل العدالة كما نص عليها القرآن الكريم، لكن يبدو أن الذي يقف خلف داعش إياً كان أراد أن يفجر تلك الصورة المثالية، وأن يزرع الخوف عند العامة من تطبيق الشرع، وقد حدثت بالفعل ردة فعل، ويتحمل علماء الدين آثارها.
كان اعتماد العشوائية والانتقائية في الرجوع للنصوص من أهم ثغرات تطبيق الشريعة، فعدم اللجوء إلى تدوين الأحكام واعتماد منهج التطوير أدى إلى هذا الفهم المشوه والمتطرف لتطبيق الشريعة، كما ساهم تخاذل كثير من علماء الدين عن قول الحقيقة التي يتداولونها في الأماكن المغلقة، وهي غياب المرجعية القانونية وتوثيق الأحكام، وكانت نتيجته هذه العشوائية والفوضى في الفهم الديني لأحكام الشريعة.
كان من كوارث تيارات الإسلام السياسي الفهم المسيس للآية الكريمة {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، فقد أرجعوا معنى الحكم إلى الحاكم السياسي بمفهومه المعاصر، وعلى التطبيق الحرفي للشريعة التي تعتمد جميع النصوص القطعية والظنية في الأحكام، بينما عند الرجوع إلى لسان العرب، سنجد أن معنى كلمة الحكم هو القضاء، ومنها جاءت مسميات محكمة شرعية أو المحكمة الكبرى.
عند اختزال مصطلح {بِمَا أَنزَلَ اللّهُ} في الأحكام الجنائية الواردة في القرآن الكريم والقطعي من الأحاديث، ستضيق كثيراً دائرة شرع الله، فالأحكام الثابتة والقطعية قليلة، ولا يمكن مقارنتها بما تحتويه كتب القانون والتشريعات في العصر الحديث، بينما غاب عن المسيسين للدين أن العدالة هي روح القضاء وحكم من أحكام الله التي أنزل على عباده، كما ما جاء في الآية التالية {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، وهو ما يفتح الباب لتطوير الأحكام ووضع ميزان عدل لتدوين الأحكام والقوانين في مواجهة التطور والمتغير المطرد في الجرائم وأنواعها.
لهذه الأسباب وغيرها، كانت دولة داعش وفهمها المتطرف والمشوه لتطبيق الشرع بمثابة الامتحان المؤلم للشعوب الإسلامية التي كانت تحمل في عقولها صورة مثالية عن الفهم غير المحدود لتطبيق الشرع، وهم الآن أمام خيارين لا ثالث لهما، أحدهما موافقة داعش على فهمها العشوائي والمتوحش للشرع، أو الالتحاق بالركب الحضاري، والانتقال إلى فهم تطبيق الشرع من خلال منظور عصري لا يخالف ما أنزله الله على عباده، وهي العدالة التي هي أقرب للتقوى، والله على ما أقول شهيد.