سعيد الدحية الزهراني
بحر الأسبوع المنصرم.. ألهبت إدارة النشر الإلكتروني بوزارة الثقافة والإعلام.. صيف شارع الصحافة الإلكترونية الملتهب أصلاً بالضمور.. في ظل تنامي وهج وسائط الاتصال الشخصي وشبكات التواصل الاجتماعي..
بعد أن أجملت الوزارة 18 شرطاً لإطلاق الصحف الإلكترونية وإلا فإن الإغلاق مصير من لا يلتزم بها كاملة..
الضوابط الجديدة تدور في فلك التنظيم (تنظيم سُوق النشر الإلكتروني عامة) الذي دشّنته الوزارة قبل سنوات عبر عدد من الإجراءات مثل إصدار نظام النشر الإلكتروني ونظام الجرائم المعلوماتية ونحوهما.. وفي هذا السياق نتفق جميعاً على إيجابية أي فعل تنظيمي منظم في أصله..
الصحافة الإلكترونية محلياً - وبالامتداد العربي أيضاً - ظهرت وتكاثرت بصورة سريعة شأنها شأن أي جديد يولد باهراً مبهراً ومغرياً للامتلاك والاستخدام والتفاعل.. حتى بات (كل من هب ودب) مالكاً ورئيس تحرير لصحيفة إلكترونية إن لم يكن لعدة صحف!! في حالة تنتهي بك في آخر المطاف إلى أن الصحافة بالفعل (هواية) من لا هواية له ولا مهنة!.. وأظن أن القارئ الكريم ليس بحاجة إلى أن أقول بأن الأغلب الأعم من تلك الصحف الإلكترونية لا يقرؤها سوى رئيس تحريرها المبجل..
إشكالية الصحافة الإلكترونية في وضعها الحالي أنها خرجت دون أن تأخذ في حسبانها الشرط الأول والأهم في أي عمل جماهيري وهو (شرط المؤسسية).. فالصحيفة الإلكترونية وسيلة إعلام جماهيري والإعلام الجماهيري عمل مؤسسي.. وما لم تكن كذلك فاقرأ عليها السلام بكل صيغه المفقودة من العالم اليوم.. فلا يمكن أن تراهن على أداء اجتهادي غير منضبط بمحددات الإنتاج المنظم.. هذا على الصعيد التأسيسي الإداري أما الجوانب الفنية من مضامين وتصميم وتحرير وغيرها فتلك حكاية أخرى يطول شرح ويلاتها ومآسيها..
بالتأكيد فتحت الصحافة الإلكترونية أفقاً إعلامياً كان غائباً عن السياق الإعلامي لدينا.. وهو أفق الصحافة المحلية تلك التي تتخصص في الاشتغال بأحداث إطار محلي محدد.. وهو شكل معروف ومشتهر في الكثير من بلدان العالم بالشكل الورقي المطبوع الذي لم يكن متحققاً لدينا خصوصاً في مرحلة صحافة المؤسسات.. وهو ما كان ممكناً ولا يزال بعد ظهور الصحافة الإلكترونية التي تتسم بسمات مهمة كثيرة أحد أهمها سهولة ويسير الإطلاق تكلفة وجهداً وإعداداً مقارنة بالأم الورقية المطبوعة.. وهي سمات وخصائص وفرتها بيئة الانترنت الساحرة.. أقول هذا الشكل من الأداء الإعلامي يلائم طبيعة الصحافة الإلكترونية ويمكنها من تحقيق وظيفة وخدمة مهمة تنحصر في إطار مكاني أو موضوعي محدد (الصحافة المتخصصة) وهو ما خصصته اللائحة المرتقبة بشرط يحضر الصدور باسم منطقة أو قبيلة أو مدينة.. لكني أتمنى أن تدرس فكرة دعم هذا النوع من الصحافة بالتنسيق مثلاً مع إمارات المناطق.
أعود إلى شرط المؤسسية الأهم.. وفي تقديري إن الصحافة الإلكترونية (المحلية المتخصصة بإطار تخصصي محدد ؛ مكاني أو موضوعي) ستفيد كثيراً فيما لو حققت متطلب المأسسة.. لكننا مع الأسف لا نلحظ من كم الصحف الإلكترونية المتراكم سوى عدد قليل جدا لا يكاد يصل إلى عدد أصابع اليدين.. طبق بالفعل الشرط المؤسسي عند إنشاء صحيفة إلكترونية جادة وحقيقة وفاعلة..
أنتهي في هذا الطرح إلى تأييد الضبط والتنظيم الذي يراعي المعطيات والواقع.. وأرجو أن تسهم هذه العملية التنظيمية في خلق واقع صحافي إلكتروني وطني جاد وفاعل بدلاً من هذا العبث الذي وصل حد التخمة التي أصابتنا بالترهل وأخشى أن تسبب لنا أمراض العقل والقلب والأطراف..