زكية إبراهيم الحجي
أثبتت التجارب المعاصرة أن بداية التقدم الحقيقي لأي شعبٍ من الشعوب هو التعليم..فالتعليم بوابة كل الدول المتقدمة علمياً ومعرفياً صناعياً واقتصادياً.. بل إن هذه الدول تضع أهمية تطوير التعليم في مقدمة سلم أولويات برامجها وسياستها إيماناً منها بضرورة مواكبة التغيرات الحضارية السريعة التي يشهدها المجتمع العالمي مع دخول عصر المعلومات وثورة الاتصالات على المدى الزمني.. وأيضاً باعتبار أن جوهر الصراع والتنافس في العصر الحالي هو التعليم.
إن التقدم العلمي والتكنولوجي السريع والاكتشافات المتطورة في جميع مجالات الحياة أحدثت انقلاباً جذرياً ونوعياً في مفاهيم كثير من أساليب التعليم التقليدي فأصبحت المدرسة المعاصرة هي المدرسة التي تشكل وتبني ما يسمى بمجتمع المعرفة..وفي ظل التقدم العلمي هذا جدير بنا اللحاق بالركب ومواكبة التقدم العلمي بحيث يكون البعد العالمي جزءًا من تفكيرنا مع التمسك بثوابتنا ومبادئنا التي تعكس هويتنا وقيمنا الإسلامية وثقافتنا العربية الأصيلة.
وبناءً على ما سبق فإن الفرد الذي تنتظره الأسرة والمجتمع والوطن هو الفرد الذي تتجسد فيه الغايات المثلى للعملية العلمية والتربوية ولتحقيق ذلك علينا أن نتجاوز في مجال التعليم نظام التعليم التقليدي القائم على التلقين والتسميع وحشو الذهن ليتم استرجاع تلك المعرفة الصماء في ورقة نهاية العام الدراسي فقط مما أدى ذلك إلى خلق أزمة جمود في عقول وتفكير الطلبة.. فالبيئة التعليمية التقليدية لم تعد تلك البيئة الملائمة للتطورات المتلاحقة في مختلف مجالات العصر الحديث.. ولم تعد تناسب أجيالاً تفتحت أعينهم على أجهزة الكترونية وتقنية تتجدد وتتنوع من يوم لآخر.. ولا أبالغ عندما أفول إن غالبية أبناء الجيل الحالي يملك أعداداً من مختلف وسائل التقنية الحديثة ما لا يخطر على بال أحد
إن أول خطوة لتجاوز التعليم التقليدي الحالي يبدأ بإطار فكري ومنهج واضح يقود ويوجه للحد من التعليم السلبي الذي يجعل الطالب متلقياً دون إتاحة فرص لإعمال العقل والمشاركة التفاعلية التي تعتمد على أسلوب التفاعل بين الطالب والمدرس والمادة العلمية المقررة يُضاف إلى ذلك عدم استخدام وسائل التقنية الحديثة لدعم العملية التعليمية وتحويلها من طور التلقين إلى طور الإبداع والتفاعل وتنمية المهارات فاستخدام هذه الوسائل يخلق بيئة تفاعلية غنية بالتطبيقات المفيدة والمشوقة.. وتقدم خبرات واقعية تحفز الطالب لأداء عمليات النشاط الذاتي وتنمي فيه استمرارية التفكير.
لقد برز التطور العلمي والتقني السريع في كثير من دول العالم لتوفير أشكال من التعليم بأسلوب مختلف وجديد وممتع.. فحيث يمثل التعليم بوجه عام وظيفة أساسية في المجتمعات البشرية كان طبيعياً أن يحدث تغييراً في استراتيجيات وأساليب التعليم مصاحباً لتصاعد التطور التقني.. وعلى ضوء ذلك باتت حاجتنا ضرورية لإعادة النظر في أساليب وطرق التعليم وتطويرها وإثارة الدافعية نحو التعلم.. نحن بحاجة إلى مدرسة جديدة متصلة عضوياً بالمجتمع وما حوله من مؤسسات ومرتبطة بقواعد الإنتاج المهنية والثقافية.. التربوية والتوعوية لتشارك في صياغة عقول الشباب وتمدهم بالخبرات والتجارب.. نحن بحاجة إلى معلم يتغير دوره تغييراً جذرياً من معلم يعمل في إطار نظم وأطر جامدة إلى معلم مكتشف لمواطن المواهب.. معلم يحمل من الثقافة المتنوعة ما يجعله قادراً على إدارة مهنته بفاعلية ومستنداً على مناهج علمية متطورة وبأساليب مدعومة بالتقنيات الحديثة ومرتبطة بحاجات المجتمع.
لقد آن الأوان لأن نصنع تعليماً عالمياً يعكس هويتنا وثقافتنا..يخاطب البعد الشخصي والاجتماعي للطالب ويربطه ببيئته ويدعم إحساسه بالانتماء للوطن.. آن الأوان لتطبيق نظام تعليمي تقني حديث من شأنه أن يرتقي بعملية التعلم إلى أفضل المستويات.. نتمنى ذلك.