سعد بن عبدالقادر القويعي
تكفل العلاقة بين قضية المواطنة، وبين ما يحدده لها النظام، والمؤسسات - الرسمية والمدنية - من أطر التكافؤ بين الناس في الحقوق، والواجبات، والقضاء على أسباب التفكك، والتمييز على المستوى الوطني؛ لكن عندما تؤجج أطراف إقليمية، ودولية على تأكيد الهويات الطائفية،
وبصورة أسيرة للاستعمار التقليدي التاريخي في المنطقة، ووفق سياسات حاكمة للرؤية الاستشراقية، والثقافية؛ من أجل بقاء المنطقة في حالة غليان، وعدم استقرار دائمين، فمعنى ذلك: أن تلك السياسات ستؤدي إلى صرعات، يُستعصى حلها على المدى الطويل.
من السهل القول: إن تسييس الهوية الطائفية في إطار مفهوم الدولة الحديثة، ستمكن رواد الطائفية في تحريك مفردة الدين، ولغة الهوية؛ لتحقيق مصالح سياسية بغيضة. وهو المشهد الذي نراه - اليوم - حاضرا في - دولتي - العراق، ولبنان - على سبيل المثال -، فأصبحت الساحة الدولية مجرد تنافس ما بين مكونات الدولة على المصالح المشتركة، ومصالح كل مجموعة متضادة مع مصالح مجموعة أخرى مغايرة لها في الاتجاه، فتشكلت عوامل عدم الاستقرار، والضعف؛ بناء على أفعال السياسيين من الذين استعانوا بالحلفاء الطائفيين؛ لخدمة مصالحهم في البلاد، أو حتى التشبث بالسفارات الأجنبية؛ من أجل الحصول على الحماية من الأغلبية.
إن فاعلية تحريك المجموعات الطائفية في الساحة السياسية، تشكل عنصرا فاعلا في انحياز الأفراد نحو مبادئ الطائفية بشكل خاص، والانشغال اللامبرر بقضايا ماضوية، رغم ما تمر به شعوب المنطقة من أزمات سياسية، واقتصادية، واجتماعية كبرى. وبعبارة أخرى: أي أن المجموعات السياسية سعت - مع الأسف - إلى التركيز على الهويات الطائفية، وتحويلها إلى صراعات زادت من تعميق الانقسامات. وإذا لم تتمكن تلك المجتمعات من الوصول إلى ما بعد مرحلة المجتمعات القائمة على هوية جامعة، هي المواطنة، فهي لا تزال على عتبة ما قبل المجتمع، تتجاذبها نزعات الهويات الناسفة، والطوائف المفرقة.
على الرغم من ارتفاع المشاعر الطائفية، منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عام 2003م، إلا أنه لا يمكننا الاستسلام بمنطق اليأس، عندما تلعب الهويات الطائفية - سواء - على صعيد السياسات الداخلية للدول، أو على صعيد السياسات الإقليمية - أيضا -؛ حتى وإن تمكنت تلك الدول في إحداث النقلة الكارثية من الطائفية الاجتماعية إلى الطائفية السياسية؛ لأنها ستشكل - في نهاية الأمر - مدخلا للتقسيم، وخلق مزيد من الفوضى في المنطقة، وضعف في اللحمة الوطنية.