كوثر الأربش
كل شيء يمكن تعليمه، إلا الحب!
الحب وحده أستاذ مختبئ فينا، يعلمنا كيف نشرق وتكبر فينا إنسانيتنا، نعطي ونشعر أننا لم نعطِ. لأن العطاء في فلسفة الحب يفقد خاصية العطاء، يصبح نضحاً طبيعيا ومُلحّاً. النضح الذي لا يسعنا ترشيده. هو شيء ما يتسرب دونما إذن أو تخطيط. هو طريقة الحب في التعبير عن ذاك الارتجاف الذي لا يقر ولا يهدأ. لا يسعك أن تحب ثم لا تعبّر. هذا غير ممكن في عرف الشعور. يصبح حبك محض ادعاء، أو هو شيء ما لم يكد أن يسمى حباً. كما أن هناك متناقضات فيزيائية لا يمكنها الالتقاء أو التقاطع، كالليل والنهار لا يجتمعان، الحب والجحود، الحب والكف، الحب والغدر، الحب والعصيان.. لا يجتمعان!
يقول الإمام الشافعي:
تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ
هذا محالٌ في القياس بديعُ
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ
إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
تحب أمك؟ إذاً لن تستشيرك الدموع لو غابت. تحب ابنك؟ جوعه، ظمأه، مرضه، جرح صغير في إبهام قدمه، قلبك سيعتصر كما لو أنه في كف عفريت! لن تقايض نومك براحته وسلامته. تحب أجدادك؟ إخوانك؟ رموزك الثقافية أو الدينية؟ ستسمي أبنائك بأسمائهم، سيحضرون على لسانك، ستلهج بهم.. ستحلم.
إذا مالذي يجعل حب الأوطان، وحده، ليس بحاجة لإثبات أو تعبير؟ لا يسعك أن تكون موظفاً متقاعساً، مهملاً.. ثم تدعي حب وطنك. لا يسعك أن تظهر في الخارج بصورة غير لائقة، تفسد ذِكره ثم تدعي حبه. توسخ الشوارع، تفسد التشجير، تهدر المياه والكهرباء، تخبئ مطلوبين للعدالة، تلبس حزاما ناسفاً، تمد يدك لخصومه، تواليهم، تختفي حينما يكون المخرب أحد أفراد فئتك أو قبيلتك، وتثور حينما يكون من خارج دائرتك الخاصة. كل ذاك ليس تعبيراً عن حب الوطن، ليس تعبيرا عن أي شيء له علاقة بشعور سليم تجاه الأرض التي انعجن عرقك بأديمها! الأرض التي تعرف وقع أقدامك، تقود السيارة وتعرف أن الطريق القادم سينحرف لليسار. إن كنت ابن البحر الأحمر، أو الخليج، ابن جبال فيفا، ابن صحراء النفود، او ابن هضبة نجد. الأرض ستتحدث من عينيك وعروق يدك. عينك التي ستفزع لو اغتربت في بلاد لا تعرفها، وتتشنج عروق يدك لو سقط سقف بيتك. إذا كنت محباً حقيقياً، فكلمات الحب وحدها لن تشفي احتراقك، لن يغفو جفنك قبل أن تستوثق وتطمئن أنك بذلت وسعك وما فوق وسعك لأجل من تحب. إن كنت تقرأني الآن. لا تقل أحب وطني، إنما تصرف كمحب لوطنه.