أ. د.عثمان بن صالح العامر
الأبناء البررة، الأخوة الأعزاء، الأصدقاء الأوفياء «زياد ووليد ومحمد»، الزوجة والولد والحفيد، الأخ والصاحب والقريب، أمير حائل وأهلها، جبالها وسهولها، تلالها ورمالها، المزرعة والمصنع، محبي الخير وأهله هنا وهناك، أحسن الله عزاءكم في رجل الخير والبر البذل والعطاء ابن حائل البار الوالد والرمز الشيخ «المواطن» الإنسان علي بن محمد الجميعه، الذي انتقل إلى دار البرزخ فجر الأحد الماضي 15/ 11/ 1436هـ ورحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ورزقنا وذويه الصبر والسلوان، وحالي في هذا المقام حال الشاعر القائل:
إني معزك لا إني على ثقة
من الحياة ولكن سنة الديني
فلا المعُزى بباق بعد ميته
ولا المعزي ولو عاشا إلى حيني
# أعلم شرعاً وعقلاً، بالدليل والمشاهدة أن الموت حقيقية مطلقة، وأن كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، ولكنه مع ذلك في ميزان العاطفة الجبلية «مصيبة» كما قال الله عنه، ولذا فقد هزّني خبر الرحيل هذا، جلست منذ بعد أن وصلني خبر موت والدنا الغالي صبيحة يوم الأحد الفائت أقلب صفحات الماضي، أتأمل في الحال، أفتش عن ذاتي وسط الراحلين يوماً ما.. ترى كيف سيكون قدومي على الله والوقف بين يديه.. وما هي حالي أول ليلة في القبر.. ما الجواب حين يسألني ملائكة الرحمن عن ربي وديني ونبي؟
# نعم.. إن كرب الزمان وفقد الأحبة أمثال «أبا فهد» خطب جلل وحدث موجع، أمر مهول ووقع مؤلم، هو من أثقل الأنكاد التي تمر على الإنسان في هذه الدار، نار في الفؤاد تستعر، وحرقة في الجنان تضطرم تحرق القلب، وتفت العضد، تجري الدموع، وتورث الأسى، ولكن عزاءنا أننا نعلم علم يقين أن الموت حق، وأن قدر الله نافذ وإرادته ماضية، وأن عمل الإنسان لن ينقطع برحيله من عالمنا الفاني؛ فالصدقة الجارية ستبقى، والولد الصالح سيظل مذكراً وداعياً - بإذن الله - وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، -
# لقد كان للعطاء مع هذا الرَّجل الفذ» علي الجميعه» قصة.. وللبذل في قاموسه ألف حكاية وحكاية.. القرآن الكريم وحفظته وحلقاته.. والمساجد «منارات الله في الأرض».. والجامعات السعوديَّة «مواطن العلم وبيوت العلماء».. والأندية الرياضيَّة والأدبيَّة.. والصحة والإعلام.. والجمعيات التعاونيَّة والخيرية.. والملتقيات السياحيَّة والزراعيَّة والثقافيَّة والاقتصاديَّة.. والمناسبات الاجتماعيَّة الحائلية الرسمية والشعبية.. والطبقات النخبوية والمتوسطة ومن تعيش تحت خطّ الفقر ومن هم في الظل والمتقاعدين والعاجزين والمنكوبين... كل هذه الأماكن والشخوص والشرائح المجتمعية المختلفة تعرف جيّدًا من هو المواطن علي الجميعه رحمه الله، وماذا يعني هذا الاسم في مضمار المسابقة في العطاء والبذل رغبة في إقراض الله {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، مع أنّه بتواضعه ودماثة خلقه وحسن سجاياه يهوى السكون ويعشق العمل بعيدًا عن الأضواء ويقدم ما تجود به نفسه بصمت دون ضجيج أو صرير أقلام.. يشعرك وأنت ترحب به وقد شرَّف هذا المكان أو ذاك أَنّك أنت صاحب الفضل عليه أن يسَّرت له سبل البذل وقبلت مشاركته في هذا العمل الوطني الخير المبارك.. يرفض كل الألقاب (أنا لم أكن أحمل لقب «الشيخ» من قبل.. كنت وما زلت وسأبقى أحمل لقبًا يلازمني ويشرِّفني أكثر وهو مسماي الحقيقي، المواطن: علي بن محمد الجميعة، كلمة مواطن هذه شرف جميل لي، وهذا يوجب علي أن أكون خلية من خلايا المجتمع العاملة لا الخاملة، الصَّالحة المصلحة لا الفاسدة المفسدة لا سمح الله).
# ليست هذه الأماكن ولا هؤلاء النَّاس هي وهم فقط من يعرف هذا الرَّجل الرمز بل حتَّى الورق كان له معه حكاية عشق وتبرئة ذمة، بدئها بعرائض النصح لوَلِّي الأمر وختمها قبل أشهر معدودة من مرضه الذي مات فيه بحديث مع نفسه شيق وشاق.. حكاية ثمانين عامًا حقها التأمل والتفكر وأخذ العبرة والاتعاظ.
# رحمك الله أبا فهد وأسكنك فسيح جناته وجبرنا الله في مصيبتنا وخلفنا خيراً منه اللهم آمين وإلى اللقاء والسلام.