رمضان جريدي العنزي
البحرين.. عش عصفور منسوج من قش وأعواد شجر رقيق له جمالية وذائقة، البحرين.. مثل رقصة (اليوتوبيا) اليونانية، لهذه الرقصة خاصية التفرّد، وخاصية التناغم، وخاصية الرؤية، وخاصية القبول، وخاصية الاحتراف، البحرين..
مثل حداء جميل في ليلة ربيعية مقمرة هادئة، ومثل فاتنة صغيرة لها مفاتن وحسن وجمال وجديلة ساحرة ورقي وامتزاج عاطفة، تهوى الحقول والوردة والماء والتلال الخضر، والشعر والرواية والنجوم والسهر والحلم، البحرين.. لديها حدس ووعي وتجرُّد وانتماء عروبي وفكر ودلالة ورمز، للبحرين استدارات وجدانية وميول ونرجسية، لها فلسفة، وامتداد فضاء، وحرية تحليق، وفسحة عطاء، للبحرين.. أصول فهم، وأصول إدراك، وأصول تعامل، وأصول موقف، وأصول تطلعات، وأصول كلام مباح، البحرين.. لها وعي حضاري، ووعي اجتماعي، ووعي بيئي، ووعي فكري، ووعي إنساني، ووعي تعاملي، ووعي علاقات، ووعي تحليق نحو الأفق، ووعي لغة التلويح والترويض، إنني لا أخاف على البحرين، وأملك إحساساً بعدم الخوف على ممتلكات هذا العش الجميل، بكل أغراض هذا العش الفكرية والإنسانية والحضارية والتاريخية، كما أنني لا أخاف على البحرين من العاقين الجدد، والطغاة الجدد، والمستبدين الجدد، والدول الشريرة، الذين يملكون فكراً ضحلاً ودونية في التفكير والتطلع، ورداءة في التخيل، ولا أخاف على البحرين من القطعان المسعورة، التي لا تحب كل شيء حي ومتحرك، التي تغتال الطفولة والكهولة وتتآمر على الوطن، وتحاول تدمير منجزاته، وتفكيك وحدته، وإشعال نار الفتنة، نعم إنني لا أخاف على البحرين من هؤلاء الخفافيش الذين يملكون العين الواحدة، والأذن الواحدة، والهدف السيئ الواحد، الذين يعيشون على لعق الدم، وإيذاء الجسد، الذين لهم ثقافة تنطلق من فوهات البنادق، ورائحة الحرائق، الذين يخطبون بعنف، ويتكلمون بعنف، ويهدّدون بعنف، ويتّشحون بالسواد بعنف، يمقتون لون البياض، وسنابل القمح، والذرة، وبيادر الحصاد، والبحيرات، والنوافير الملونة، وشكل النخيل، وامتداد البحر، الذين يمارسون لعبة الرعب والتخويف والمصادرة، أهل المفردات الخاصة، والشعارات الخاصة، والانتماءات الخاصة، والمفاهيم الخاصة، والأعراف الخاصة، والحفلات والمهرجانات الخاصة، هؤلاء الذين يملكون الوجع التدميري، والسلوك الراديكالي، والإيديولوجية المشينة، ومعول الهدم والوأد، ذوي الأنياب البارزة، والمخالب الطويلة، أصحاب الكتب الصفراء، والإعلام الأصفر، والمنتديات الصفراء، الممارسين لأبشع أنواع الهرطقة الفكرية والكلامية، أصحاب الضمائر الساقطة، والصفقات المشبوهة، الذين لا يهمهم الوطن، ولا استقرار الوطن، ولا جمالية الوطن، ولا منجزات الوطن، ولا مشايع الوطن، ولا نمو الوطن، المتلبسين بالنفاق والرياء والبهتان والتدليس والغوغاء والعبث، نحن لا نريد للبحرين هدماً تراكمياً، أو قتلاً مقيتاً، أو غوغاء متمرّدة، أو عقوق مواطنة، أو عنتريات فاشلة، أو نظريات فاسدة، أو بطولات زائفة، أو طائفية بغيضة، أو شحن خراب، نحن نريد للبحرين أن تكون كما هي، سحراً متفرّداً، وشمساً متفرّدة، وقمراً متفرداً، وعصفوراً متفرداً، وإنساناً متفرداً، ووجوداً وكياناً له خاصية التفرّد والتميّز والأنا، نحن نريد للبحرين أن تكون عصية على هؤلاء، وأن تبقى إعصاراً قوياً يشل حركات هؤلاء العبثيين المندسين المتواطئين العملاء، فقد ظهرت التماسيح وانكشفت وبانَ زيف الدموع، بحرين يا بحرين، أزيلي الشوك والعليق، وازرعي البذرة الحيّة لتلد لك ألف بذرة حيّة دون أن يكون لهؤلاء المتلونين الأشباح ما يثير خوفك.