رقية الهويريني
ضاع صوت الطفل السوري الغارق وهو يصرخ من الظلم الذي عاشه في بلاده، وقد يعيشه في الغربة التي اختارها له والده هرباً من الطغيان، ولما لم يسمع أحد نحيب الوجع؛ وعويل الضيم، وأنين الألم كانت رحمة ربنا أكبر، حيث اصطفاه ليكون قريباً منه، وكان البحر وسيلة لانتقاله للرفيق الأعلى، وأبى الطفل أن يرحل دون أن يُحدث ضجيجاً في قلوبنا، وصخباً في نفوسنا فطفت جثته على جانب البحر! وكان بكامل هندامه يرقد وكأنه سيستيقظ بعد لحظات من حلم مزعج تقاذفته أمواج البحر، وأرهقت أهوال اليمِّ طفولته، وعاثت في براءته ترويعاً!
أفكنت يا صغيري تهرب من الموت في بلدك؟ وتنشد السلامة في الغربة؟
نعم لقد رحلت ووصلت للأمن وتركت الخزي والعار لنا.. فنحن لا نستحق سماع ضحكاتك.
دعنا نعيش على أخبار الحروب ونشاهد الدمار والمحن.
** نم يا بني فلن تزعجك أصوات المدافع ولا البراميل المتفجرة ولا الأرزاء والفتن.
** ارقد يا صغيري في قبرك فهو أكثر أمناً من أرضنا التي تغلي بالحروب وتفور بالأحقاد والشحن.
** افترش الأديم فهو أكثر راحة من سرير يكتنفه الوجل..
** انقلب على ظهرك يا بني فقد انتهت المعاناة، وحل الأجل..
** اخلع نعليك ومدّ رجليك ودع لنا الخجل..
** أفرد يديك فقد تلاشى الخوف وحلّ الأمن وبزغ الأمل..
** ارفع رأسك واستمع لتغريد النوارس والعب بالرمل..
** موعدك الفردوس تتقلب وتضحك فلا تسأم ولا تمل ..
** ارقد ونم قرير العين أيها الملاك الطاهر فأنت عند ربك الرحيم يرعاك ويكلؤك بعنايته بعد أن عجزنا عن حمايتك.
أيها الغريق: نحن الغرقى - يا بني - بخيبتنا وخذلانك.
أيها الراحل: نحن الباقون بهزائمنا وانكساراتنا.
أرجو ألا تغرق أحلام الطفولة وطموحات الكبار بغرقك..
وأدعو الله ألا يموت الضمير الإنساني بموتك.
قل لهم... إنك رحلت لأنك لا تجيد خوض معارك الكذب والخداع والمؤامرة.
قل لهم... إنك زهدت بهذه الدنيا الفانية بعد أن عشت فيها ثلاث سنوات من الخوف والفزع.
قل لهم... إنك تركت لهم الأرض المحروقة وذهبت تستحم في البحر؛ فاحتضنك وطهّرك من رجسها وأعادك إليها غافياً مسجى على الشاطئ باطمئنان.
يا صغيري... في القلب جرح مثقل بالهمّ، لمسته صورتك فانسكب قهراً على الطفولة، وتدنيس البراءة وتعكير النقاء.