د. عبد الله المعيلي
تعد حرية الرأي من الحقوق الضرورية التي يجب أن يتمتع بها كل من يثمنها، ويعرف حدودها، ويقدّر قيمها وقيمتها، وما يجب اتباعه عند ممارستها، والتزاماتها الأدبية والأخلاقية. وكانت منابر الحرية - وما زالت - محدودة، خاصة في الدول النامية تحديداً، حيث التضييق على حرية الرأي مضموناً وممارسة، ومهما حاولت أن تبحث عن مسوغ منطقي عقلاني لهذا التضييق فلن تجد سوى الحيرة.
أما الدول المتقدمة فكان هامش الحرية فيها واسعاً، ومنابره عديدة ميسرة؛ إذ يربَّى الفرد منذ صغره على التعبير عن رأيه؛ فكل شيء يمكن مناقشته وإبداء الرأي فيه وفق المعايير المتعارف عليها، والأطر التي تضبط السلوك. وهذا أمر يتوافق مع فطرة بني البشر عامة؛ إذ ولدتهم أمهاتهم أحراراً، يمارسون ما يحقق احتياجاتهم، ويتوافق مع آمالهم، ويعزز أدوارهم المجتمعية.
والآن في عصر التقنية المتجددة، عصر تعدد مصادر التواصل الاجتماعي وتنوعها، والانفتاح المعرفي، والثورة المعلوماتية المتجددة في كل ثانية؛ إذ تتعذر السيطرة التقليدية على حرية الرأي وطرح الآراء والأفكار، فمن البديهي أن تتنوع التغريدات التي تتناول الموضوع الواحد، وأن تختلف فيما بينها في المقاصد والغايات.
فكلٌّ يرى من زاويته، ويغرد وفق فهمه وقناعاته، وما يتوافق مع ما يؤمن به، وما يعتقد صحته وصوابه، وهذا حق لا مشاحة فيه ولا إملاء ولا قصر.. ومع هذا يجب أن يلتزم كل مغرد بقيم إبداء الرأي، وبالأخلاق العامة التي تسمح للمغرد بأن يتحرك في إطارها العام المتعارف عليه مجتمعياً.
الملاحَظ على بعض التغريدات أنها منفعلة غاضبة، ناقدة بحدة، وقد قيل: (إن عين الناقد بصيرة)، تستحضر السلبيات، لوامة، لا تطرح بدائل ولا حلولاً، متأثرة، مصبوغة بموقف المغرد الذاتي الفكري أو الفئوي أو المناطقي أو المذهبي، أو من الأوضاع العامة التي يستقي معلوماته منها من القيل والقال، وليس من مصادر موثوق في صحتها. فالمقدمات غير الصحيحة حتماً سوف تنتهي إلى نهايات لا قيمة لها ولا وزن ولا قبول.
وعندما تنظر بمنظار علمي موضوعي لمضامين التغريدات تجد بعضها متأثراً بتلك المتغيرات النفسية الدخيلة التي أفسدت مصداقية التغريدة، وأخرجتها من إطارها الإصلاحي العام إلى إطار مصلحي نفعي خاص ضيق. وبطبيعة الحال، عمليات الإصلاح لا يمكن أن تتفاعل وتتجاوب مع القضايا الخاصة، أو مع الحالات النفسية المتوترة، بل هي عملية شاملة بنفعها عامة المجتمع على اختلاف فئاته وتوجهاته.
ومما يؤكد أن التغريدة تعكس الحالة النفسية للمغرد أنك تستطيع أن تعرف مضمون التغريدة بمجرد أن تعرف المغرد؛ فذاك معروف بمواقفه السلبية العدائية؛ وبالتالي لن تخرج التغريدة عن هذا الإطار، تغريدة الغاية منها التحريض والتشكيك، والإثارة وصناعة رأي عام كاره مضاد للأوضاع العامة وإدارتها.
العجيب أن هؤلاء المغردين سقطوا من أعين الناس، ولم يعد لتغريداتهم تلك المصداقية والإثارة والقيمة؛ فبمجرد أن يرى أن صاحب الحساب فلان يتجاوز وبصفة مستعجلة، ولا يكلف المتصفح نفسه عناء الاطلاع على التغريدة ومضمونها.
كفى بهذا محفزاً على تقوى الله فيما نقول، وأن يكون الهدف من التغريد توعية الناس، وتصحيح مفاهيمهم بما يحقق الوحدة الوطنية ويعززها، والألفة بين النفوس ويقويها.