ناصر الصِرامي
مخطئ من يعتقد أن رجل دولة جاء «بربعه» ليستلموا الوزارات الخدمية، والمثيرة دائماً للجدل الشعبي العام!
وأتحدث هنا تحديداً عن وزارات - مثل - التعليم والصحة والعمل والخدمة المدنية.. وهي وزارات - بالمناسبة - تعهد حقائبها عادة في بعض الدول لمعارضين أو أحزاب معارضة لإحراق رصيدهم الشعبي والجماهيري في لعبة السياسة..!
لو أراد «رجل دولة» تكريم خاصته - مثلاً -، يُفترض أن يقدم لهم الكراسي الوثيرة الناعمة القليلة الشكوى، الكاتمة للصوت والصورة.
لكن وضعهم في وزارات خدمية مباشرة مع الناس والمواطنين، يعني وضعهم في اختبار عمل حقيقي وتحت المجهر، والسمع والنظر، وتحت مدفعية النقد الشعبي الثقيلة، وهي ثقيلة اليوم بكل ما يتوفر لها من وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات التواصل والنشر اللحظي، التي أصبحت أسلحة ثقيلة في يد المواطن - الإعلامي - الصحفي.
اليوم لدينا مرحلة يجلو فيها الجدل الشعبي غير المسبوق على أداء الوزراء والوزارات، والمسئولين بشكل مباشر وغير مسبوق، حيث مرحلة (إعلام المواطن)، والذي يُراقب ويسمع ويرى ويتحدث أكثر من بعض وسائل الإعلام التقليدية ومؤسساته العتيقة!
الإعلامي الموطن، لا ينتظر ساعة محددة لنشر المعلومة أو الخبر، يتحرك بجولة حرة يومية عادية، دون مراقبة، ويبث للعالم ما يراه ويسمعه ويصوّره دون توجيه، ينقل مشاعره، وفرحه وغضبه، ويقدم سؤاله وإجابته كل لحظة، ومع كل تفصيل، أصبح المواطن مؤسسة إعلاميةً، وأصبح البعض منهم يتفوق في التأثير على مؤسسات راكدة ما زالت منتشية برائحة الحبر..!
هذا المواطن الصحفي بدأ يُوثق في الغالب ويرفع مصداقيته بنوع المعلومة والخبر وإثباتاته.. ومن يفعل ذلك منهم أصبح مصدراً للمعلومة، ومصدراً لانطلاق شرارة النقد والمطالبة بالتصحيح، وسدّ التقصير.
هذا التأثير الحر لكتيبة ضخمة من المواطنين الإعلاميين، طبيعي أن يحرق بحجم معلوماته وأمواج نقده، أي مسئول أو مدير عام أو حتى وزير، متى ما تراكمت الأخطاء، وطال التقصير، وامتدت قائمة المتضررين!
أدرك البعض من المسئولين ذلك، وأصبح لهم «حاشيتهم الإلكترونية»، التي تُمارس أحياناً تسبيحاً افتراضياً بعشرات الأسماء المجهولة والمستهترة، وبل وقد تتدخل حسابات شبه رسمية ويفترض أنها غير متخصصة في هذا الجدل بالدفاع الشخصي عن المسئول.. لكن ذلك الدفاع المبرمج لا يمكن له أن يصمد كثيراً أمام جدية وإخلاص - المواطن - المواطنين الصحفيين، وهم ينقلون تفاصيل معاناتهم أو قصصهم اليومية بكل تلقائية!
كما أن الوصول بمسئول لهذه الدرجة من الدفاع، أو الجدل الاجتماعي، المقسم للمجتمع يُعتبر بحد ذاته مؤشراً على الفشل، أو على الأقل مؤشراً غير مريح أو مقبول لهذا الوزير أو ذاك المسئول!
المناصب الخدمية لا مجاملة فيها، وقادتها يُفترض أنهم خبراء عمل في تخصصهم، ولديهم قدرة على توظيف المستشارين، في الاتصال والإعلام والقانون وحتى الإدارة، إمكانيات لا يجوز معها ارتكاب أخطاء والوقوع في المزيد منها.
إنه عصر المواطن الصحفي، يصل لمدرسة في بقيق، وفصل في الغاط، مستشفى في أبها، ومركز صحي في النماص، ومكتب عمل في الطائف، يجول بهاتفه الجوال، ولن يمنعه أحد..!