فضل بن سعد البوعينين
لم تعد التداولات النقدية مقبولة لدى بعض دول الغرب التي تنتهج سلطاتها الرقابية والأمنية معايير صارمة في التعاملات المالية. أصبحت المدفوعات الإلكترونية البديل الأمثل للتعاملات النقدية التي تحيط بها المخاطر من كل جانب، وفي مقدمها مخاطر التزوير وغسل الأموال. خطت السعودية خطوات سريعة في التحوُّل نحو المدفوعات الإلكترونية، وأسهمت مؤسسة النقد العربي السعودي والبنوك في إنشاء بنية تحتية، ساعدت في تعزيز دور المدفوعات الإلكترونية في السوق. كما أسهمت التشريعات الأمنية والرقابية في الحد من التسويات النقدية، واستبدالها بآليات الدفع البديلة التي توفر قاعدة معلوماتية دقيقة عن مصادر الأموال. توفير الخدمات الآلية السريعة المتميزة بالسهولة والدقة والأمان من الأهداف الاستراتيجية الواجب تحقيقها لدواعٍ اقتصادية وأمنية وتنافسية.
عبدالعزيز الفريح، نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، أشار في مؤتمر صحفي إلى أن «ساما» تشجع دائماً استخدام البطاقات الآلية عوضاً عن المبالغ المالية النقدية، وأكد أن الطاقة الاستيعابية للشبكة زادت سبع مرات عما كانت عليه من قبل. وهو أمر مفرح ولا شك، إلا أنها لم تصل بعد إلى حد الكفاية ومستوى الجودة المطلوبة، خاصة في المدن النائية.
تشجيع استخدام البطاقات الآلية يحتاج إلى دعم البنية التحتية بشكل شامل، وبخاصة شركات الاتصالات التي تحتاج إلى تطوير أكبر، وبما يسهم في تحسين أداء شبكات الدفع الآلي، وتقليص الأخطاء. توفير مكائن الدفع بيُسر وسهولة لجميع المتاجر ومراكز الخدمات في مناطق المملكة، واستبدال مكائن البيع القديمة التي تتسبب في تأخر عمليات الدفع، والأخطاء المتكررة، ومحاسبة المتاجر التي ترفض الدفع ببطاقات الائتمان ما لم يدفع المشتري رسوماً ربوية، تصل نسبتها إلى 4 % من قيمة الشراء الكلية، من متطلبات الدعم الرئيسة.
بعد قرار وزارة التجارة منع فرض رسوم إضافية على استخدام بطاقات الائتمان، اتخذت بعض المحال التجارية خطوات عملية للرد عليها، وقامت بتعليق التعامل بالبطاقات الائتمانية نهائياً. وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه تحركاً رسمياً حاسماً لمواجهة موقف المتاجر الرافضة لأنظمة التجارة فوجئ الجميع برد لجنة الإعلام والتوعية بالبنوك السعودية التي بررت للمحال عملها المخالف، حين قالت: «إن البنوك لا تستطيع إجبار المحال على قبول البطاقات الائتمانية»! يمكن للتشريعات الرسمية أن تحمل المتاجر على قبول البطاقات الائتمانية؛ فهي بديل مناسب للنقد، ورفضها يعني رفض قبول العملة المحلية، ورفض التطوير، وتوفير بيئة خصبة للمخالفات المالية.
اليوم بدأت بعض المحال التجارية في تكرار الموقف حين علقت استخدام أجهزة الدفع (نقاط البيع) بعد أن فرضت البنوك عليها دفع هامش ربح مستحدث على جميع العمليات المنفذة بالبطاقات الآلية. التوسع في نشر التقنية قد يواجَه بممانعة مجتمعية لأسباب مرتبطة بالثقافة، أو تدني مستوى الثقة بالعمليات الإلكترونية كنتيجة مباشرة لأخطاء تاريخية، وقد يواجَه أيضاً برفض من قِبل المتاجر لأسباب مختلفة، وفي مقدمها الرسوم التي يبدو أنها ستقلص حجم الأجهزة المتاحة في السوق قريباً ما لم تتوصل الأطراف المعنية إلى تسوية عادلة حول هوامش الربح المفروضة، أو حمل المتاجر على توفير المدفوعات الآلية بسطوة القانون.
يفترض أن يكون «الدفع الآلي» هدفاً استراتيجياً مشتركاً بين مؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة الداخلية. التحول من المدفوعات النقدية إلى المدفوعات الآلية يؤدي إلى تحقيق أهداف أمنية ومالية ورقابية مهمة، منها الحد من عمليات غسل الأموال المرتبطة بالدفع النقدي، ومكافحة التزوير، ورصد المدفوعات المختلفة، التي تعتبر إحدى أهم أدوات التوثيق وإثبات الحقوق، والكشف عن الجريمة، إضافة إلى خفض حجم السيولة خارج القطاع المصرفي، بما يحقق الدعم الأمثل للنظام المالي والجهاز الرقابي.
تحقيق الأهداف الاستراتيجية يحتاج دائماً إلى عمل مكثف، ودعم مالي سخي، وغض الطرف عن العوائد الربحية العاجلة، وتحفيز الشرائح المستهدَفة على المشاركة في تحقيق الأهداف الموضوعة سلفاً، بدلاً من حملها على الممانعة، وهو ما نحتاج إليه في تنفيذ استراتيجية «التحول الكلي نحو المدفوعات الآلية». عندما يتقلص دور النقد في دفع الثمن، وتصبح المدفوعات الآلية جزءاً رئيساً من عملية البيع، يمكن للمؤسسة فرض هوامش الربح المناسبة دون أن تخشى ردود الفعل المعرقلة للتقنيات الحديثة.