فضل بن سعد البوعينين
استمر وسطاء سداد الديون في ممارسة أنشطتهم غير القانونية بحرية تامة؛ وبعيدا عن أعين الجهات المسؤولة. تشظي مسؤولية ملاحقة وسطاء القروض بين جهات حكومية متعددة؛ تسبب في توفير الأمن النسبي لهم؛ وأسهم في ازدهار تجارتهم القذرة؛ وساعدهم على تثبيت أقدامهم في سوق «مصرفية الظل» التي باتت تحقق لهم أرباحا ضخمة. نجح مخالفو الأنظمة والقوانين في تشكيل سوق تمويل موازية للسوق المصرفية ما قد يتسبب في مشكلات مالية لا حصر لها.
اجتهد الوسطاء للوصول إلى أكبر شريحة من المقترضين، فتوسعوا في إعلاناتهم على أجهزة الصرف الآلية؛ وأعمدة إنارة الشوارع؛ كوسيلة من وسائل الترويج البدائية، ثم تطورت أنشطتهم الدعائية إلى الصحف الرسمية، والمحطات الفضائية الخاصة.
وبعد ازدهار شبكات التواصل الاجتماعي أصبح لوسطاء القروض معرفات صريحة يسوقون من خلالها خدماتهم التمويلية؛ ويقحمون في رسائلهم الترويجية أسماء مصارف سعودية؛ ارتبطت بشكل غير مباشر بأنشطتهم المحرمة شرعا؛ وقانونا.
جريدة «الاقتصادية» السعودية نقلت عن مصدر مسؤول في مؤسسة النقد العربي السعودي قوله «إن المؤسسة شرعت في رصد الجهات التمويلية والأفراد الذين يقومون بالترويج لسداد القروض والتمويل الشخصي، ويعلنون عن ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليتم بعد ذلك الإبلاغ عنهم وإرسال بياناتهم إلى دائرة البحث والتحري في وزارة الداخلية لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم».
خطوة مهمة اتخذتها «ساما» لمواجهة الوسطاء المعمرين في سوق التمويل البديلة. المواجهة القانونية هي السبيل الأمثل لتطبيق التشريعات وحمل الجميع على الالتزام بها. إصدار «ساما» للتشريعات واللوائح لن يكون كافيا ما لم تكن هناك جهة مسؤولة عن تفعيلها؛ ومراقبة تطبيقها؛ ومحاسبة كل من لم يلتزم بها. أجزم أن تحديد جهة الاختصاص لمباشرة قضايا مخالفة القوانين لا تقل أهمية عن إصدار القوانين نفسها. تنشأ مع مرور الوقت؛ مناطق رمادية حول الأنظمة والتشريعات؛ لأسباب مرتبطة بالمتغيرات العامة؛ وتطور فكر المحتالين؛ ومخالفي الأنظمة؛ ما يفرض على الجهة التشريعية التعامل معها بصرامة؛ واستحداث مواد قانونية قادرة على التعامل مع المستجدات وتحديد جهة الاختصاص في مباشرتها.
القول بعدم مسؤولية «ساما» عن تجاوزات وسطاء القروض؛ غير دقيق؛ لأسباب مختلفة؛ أهمها أن «ساما» ليست جهة تشريعية فحسب، كما ذكر «المصدر المسؤول» بل ورقابية أيضا على القطاع المصرفي وشركات التمويل؛ ما يجعلها مسؤولة عن كل ما له علاقة بالتمويل؛ والمخالفات المرتبطة به. وأحسب أن بعض قضايا الوسطاء لا تخلو من شبهة العلاقة مع بعض موظفي المصارف. إضافة إلى ذلك فمجرد استغلال فروع المصارف من قبل «الوسطاء» في الترويج لأنشطتهم التمويلية؛ من خلال الملصقات؛ أو الإعلانات الداخلية؛ أو الترويج الشخصي؛ أو الصحف؛ يعد مخالفة لأنظمة التمويل الخاضعة لمؤسسة النقد وبالتالي فهي المسؤولة عن إثباتها والرفع للجهة التنفيذية باتخاذ اللازم حيالها. وإذا ما أضفنا إلى مخالفات الوسطاء التمويلية؛ شبهة «غسل الأموال»؛ عندها تُصبح مسؤولية «ساما» مضاعفة؛ خاصة وأنها ستكون المتضرر الأول من أية اتهامات قد توجه للمصارف السعودية في علاقاتها مع غاسلي الأموال.
كتبت محذرا في «الجزيرة» العام 2011 من وسطاء القروض ما نصه: «كإجراء قانوني رسمي، يمكن تطبيق قانون غسل الأموال على سماسرة الديون المتعثرة، وبذلك تنتقل الجهات الرسمية ذات العلاقة، من مرحلة التحذير، إلى مرحلة التقاضي والتجريم؛ فالمادة رقم (1-1) من القانون السعودي عَرَّفت عملية غسل الأموال بأنها: ((أي فعل أو الشروع فيه بقصد إخفاء أو تمويه طبيعة أموال مكتسبة خلافا للشرع أو النظام وجعلها وكأنها متأتية من مصادر مشروعة))؛ والأكيد أن ما يقوم به سماسرة الديون من أنشطة تمويلية، تتعارض في مجملها مع النظام، وكل ما ينتج عنها من أرباح يمكن أن يُصنف ضمن «الأموال القذرة» التي يجرمها القانون السعودي».
رصد «ساما» للأفراد الذين يقومون بالترويج لسداد القروض والتمويل الشخصي، ومن ثم الإبلاغ عنهم وإرسال بياناتهم إلى دائرة البحث والتحري في وزارة الداخلية إجراء مثالي سيسهم في الحد من الأنشطة التمويلية الموازية والمخالفة للأنظمة والقوانين. وسيقود نحو إضاءة المنطقة الرمادية التي تشكلت بسبب تشظي المسؤولية بين المؤسسات والوزارات الحكومية المعنية؛ وكل ما نرجوه أن تسارع الجهات الحكومية لمعالجة المستجدات والقضايا الطارئة وتحديد جهة الاختصاص للحؤول دون تعاظمها وتحولها إلى أزمات مدمرة.