إبراهيم بكري
قبل سنوات كثيرة كان الشاب السعودي لا يعرف من الانحراف إلا إشعال سيجارة، كان في الدخان المتطاير يشعر بتمرُّده على قيم مجتمعه، في كل نفَس «دخان» يعتقد أنه يُمارس أقصى حدود الانحراف، خصوصاً عندما يهرب من جدار المدرسة لكي يشتري علبة سجائر، ليمارس سلوكه السلبي داخل حمام المدرسة.
في تلك المرحلة كان «المدخن» في جيبه ثلاثة أشياء:
علبة سجائر، علك، عطر.
كان الشاب المتمرِّد لكي يستر نفسه من رائحة الدخان يمضغ العلك ويتعطّر!!.
في تلك المرحلة الزمنية تفاجأ الشباب بحملة إعلامية في كل مكان تحتضن عبارة «لا.. للمخدرات»، ولأن هذه الحملة لم تراع الأسس العلمية والضوابط، فشلت في تحقيق أهدافها فكانت النتيجة سلبية!!.
الشاب المدخن اكتشف أن هناك عالمَاً آخر للتمرُّد والانحراف يُسمى «المخدرات»، هذه الحملة التوعوية شجعت فضول الشباب فتركوا كلمة «لا» وذهبوا إلى عبارة «المخدرات»؟؟!!.
لم تحقق الحملة أهدافها، بل ساهمت في زيادة نسب المتعاطين، لا يعقل أن توعي شاباً لا يعرف أصلاً ما هي « المخدرات» لكي تحاول إقناعه بأضرارها في تلك المرحلة الزمنية.
لقد اكتشفت الجهات المعنية فشل الحملة بسبب عبارة توعوية خاطئة، وقد تمَّ إلغاؤها لكن بعد ماذا؟؟!!.
نفس الأخطاء في التوعية بأضرار المخدرات تم ممارستها مؤخراً لتوعية الوسط الرياضي بعبارة: «لا.. للتعصب»، فتركت شريحة كبيرة من الجماهير والإعلاميين كلمة «لا» لتمارس «التعصب»!!.
قبل فترة بسيطة لم يكن «التعصب الرياضي» في السعودية ظاهرة، بل تصرفات فردية كان يمكن علاجها دون الحاجة إلى حملات إعلامية لا تستند على أسس علمية.
الحملات التوعوية الإعلامية لها ضوابطها المعرفية والتنظيرية التي تستند عليها، يجب تصميمها وتخطيطها وتنظيمها في إطار علمي لتحقيق هدفها لإقناع الشريحة المستهدفة.
لكل حملة إعلامية دافع وقيم ومعتقد ذو علاقة بالنظريات الاتصالية في إقناع المتلقّي لتحقيق التأثير ومرحلة الاستجابة.
تجارب سابقة لعلاج التعصب الرياضي لم تحقق أهدافها، بل ساهمت في زيادة المشكلة وتعقيدها، لأنها لم تستند على الأسس العلمية للحملات التوعوية الإعلامية.
لا يبقى إلا أن أقول:
أربع جهات حكومية تعكف حالياً لعلاج ظاهرة «التعصب الرياضي» وزارات الداخلية والتعليم والثقافة والإعلام والرئاسة العامة لرعاية الشباب.
هل هذه الجهات سوف تُراعي الأسس العلمية للحملات الإعلامية التوعوية؟؟.
حتى لا نكرر أخطاء حملة «لا.. للمخدرات» علينا أن نذهب لجهات الاختصاص للتصميم والتنفيذ لكي نضمن النتائج الإيجابية.
لماذا لا نستفيد من تجارب وخبرات المختصين في الإعلام بالجامعات السعودية؟؟!!.
* * هنا يتوقف نبض قلمي، وألقاك بصحيفتنا «الجزيرة» كل أربعاء، وأنت كما أنت جميل بروحك، وشكراً لك.