حسن اليمني
اعتمد صندوق التنمية الصناعية 69 قرضاً خلال النصف الأول من العام المالي الحالي (2015م)، للمساهمة في تمويل 60 مشروعاً صناعياً جديداً، وتوسعة 9 مشاريع قائمة، بما يتجاوز 4.2 مليارات ريال، أي أربعة آلاف ومائتا مليون ريال،
هذا خبر اقتبسته من جريدة عكاظ الصادرة في 15-8-2015 م، وأتساءل هنا كم ستنخفض نسبة البطالة وترتفع القدرة على توفير السكن في مقابل ذلك؟
الأغلب أنّ الإجابة ستكون سلبية كالعادة، فمنذ العام 1970 م ونحن نرسم الخطط الإستراتيجية لتحقيق الأهداف التنموية المتوازنة، بيْد أنّ الواقع يشهد أن البطالة في نمو تصاعدي مستمر، وشح السكن يتصعب أكثر فأكثر حتى أصبح كابوساً يؤرق الجميع، في ماليزيا التي بدأت معنا بنفس التاريخ في رسم الخطط الخمسية للبناء التنموي حدث العكس تماماً، فقد كانت نسبة البطالة في ذلك التاريخ تقريباً 35% واليوم لا تتجاوز 4%، في حين ابتدأنا بنسبة بطالة معدومة أو تكاد لنصل إلى ما قد يتجاوز 12%، وبين القضاء على 31% بطالة في ماليزيا وبناء 12% بطالة لدينا، يصبح الفارق في نسب النجاح بين الجهدين في حدود 43% تقريباً، فإن أضفنا ندرة الموارد هناك مقابل وفرتها هنا، فقد نصاب بالدوار بكل أسف .
إذا كان المطلوب هو أن نتفاءل وندعم بصبر وثقة بانتظار النتائج فليس من المطلوب أن نصفق للفشل، ولم يعد مقبولاً أن نمدد الرجاء والأمل مع نشوء المشاكل وتضخمها في البطالة وشح السكن، وهي أهم عوامل النمو والتطور الخالق للأمان والاستقرار الاجتماعي، وما لا يحتاج لنقاش في حقيقة خذلان خطط التنمية لطموحاتنا، استمرار اعتمادنا على إيرادات النفط إلى اليوم بما لا يقل عن 80% من موارد البلاد، حتى وإن قيل إننا حققنا ما يقارب 20% من اعتمادنا على النفط كمورد رئيسي ووحيد بموارد جديدة، وحين ننتقد مساراً خاطئاً، فإننا لا نسعى في ذلك للثرثرة بقدر ما نبحث عن الأسباب رغبة في تصحيح المسار .
وحسب اعتقادي إن مشكلتنا ليست في الإخلاص وبذل الجهد بصدق، ولكن قد تكون أسباباً ثقافية في أسّها وقاعدتها، فثقافة أي مجتمع هي العامل الرئيسي للبناء التنموي، وهذا بكل أسف لا أجده ظاهراً ولو حتى بشكل متوارٍ في خطط التنمية، إلا في جمل إنشائية تتزين بها تلك الخطط وتتجمل دون أن يكون لها رسم ومسار واضح، وأحاول أن أخطئ اعتقادي حين أتذكر أن عنوان الخطة التنموية التاسعة استحضرت الإنسان والمعرفة، بما يظهر إدراك الراسم لهذه الجزئية المهمة في البناء التنموي، ولكن ها هي الخطة التاسعة تكاد تنتهي فترتها الخماسية دون أن يظهر بوادر فعلية ملموسة لأي اثر ينبئ عن تحقيق إنجاز ولو يسير في هذا الشأن، الميزان بين النجاح والفشل نمو أو تلاشي قضيتين أساسيتين هما البطالة وشح السكن وهو ما لم يتحقق منه إلا النمو السلبي .
قد يظن البعض أن اعتماد المناهج الدينية وتكثيفها في المراحل الدراسية الأولى إضافة إلى اللغة والبلاغة مع تأجيل للمواد العلمية والرياضيات إلى المراحل المتوسطة والثانوية له أثر في ذلك، وقد تؤخذ مثل هذه الملاحظة بتوجس ديني واجتماعي مما يصعب الانتقال للخطوة الأكثر إلحاحاً في بناء عقل وفكر منتج، الأمر في ظني ليس بهذه الدرجة من الإرباك، لكن الانتقال من مرحلة ثقافية وجدانية لمرحلة فكرية إنتاجية تستوجب حدوث الصدمة واحتواءها، وستكون نتائجها فيما بعد هي الرد المطمئن والمقنع، لكن الأمر يحتاج لجراءة وعزيمة.
الفن والرياضة والإعلام أيضا مكمل للمناهج الدراسية في تشكيل الوعي وتوجيه العقل وتطوير الفكر، وعلى سبيل المثال لو أننا شاهدنا في رمضان القادم مسلسلات تلفازية تستبدل التفكير بدل الإضحاك والسخرية، لربما زرعنا بذرة في الوعي بالاتجاه الصحيح، كما لو أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب خصصت جزءاً من مبالغ الدعم للأندية مقابل تنظيف الاستاد الرياضي بعد كل مباراة، والخصم على كل تصريح خارج عن الروح الرياضية، لربما أيضا كانت بمثابة نقرة في المخ لتحريك العقل والفكر، والإعلام حين يصدم الوعي والوجدان الاجتماعي بخلخلة هويته الوجودية إلى حد الاصطفاف مع الضد يصبح وباء يحتاج علاجاً، إن تغيير المزاج الثقافي في الوعي الجمعي لا يتأتى إلا من خلال لمسات سهلة وبسيطة تفعل فعلها بشكل غير مباشر سلباً أو إيجاباً .
هذا ليس كل شيء وإنما أمثلة بسيطة لما نحتاجه في خطط التنمية الخماسية، بمعنى أننا نريد أن نرى توجهاً فعلياً وملموساً نحو تطوير الوعي الفردي نحو الفكر والإنتاج المعرفي، بدل الاتكالية والتعالي على الفراغ بالفراغ الذي يصنعه مسار الرعاية الأبوية للفرد، إننا حين نمنح أرضاً أو قرضاً أو سكناً، بدلاً من أن نعمل على صناعة الفرد القادر على تحقيق طموحاته بنفسه فإننا لا نصنع إنساناً منتجاً .