د.خالد بن صالح المنيف
«دودي، إنه أمر سخيف أن أرى وجهك القبيح كل هذه المرات كل يوم.. حافظ على أدائك الجيد.. إنه الوقت المناسب لتكون الأفضل على مدار التاريخ». كانت تلك رسالة أحد أصدقاء لبطل السباحة الأسطوري مايكل فيلبس قبل نزوله لحوض السباحة في السباق الثامن الذي سيشارك فيه وقد فاز في السبعة سباقات كلها بالذهبية! ويبدو أن فيلبس أنصت جيدا لكلمات الرسالة ودخل سجلات التاريخ بعدما أحرز ذهبية سباق 200 متر فراشة وسجل رقما قياسيا عالميا جديدا وكان تلك الميدالية الثامنة الذهبية له في أولمبياد بكين.
مالا يعرف عن هذا القرش البشري أنه قبل بداية الأولمبياد أصيب بحادث هدد أحلامه في المشاركة في الأولمبياد؛ عندما تعثر وهي يمشي وهو بالمناسبة يعاني إشكالية في المشي -أعطي شيئا وسلب شيئا -وتلك هي الحياة وقد كسر معصم يده جراء هذا السقوط مما أدى لتجبير يده مما يعني تعطيله عن التدريب للمشاركة في الأولمبياد، وهو ذا طبيعة مختلفة وشأن عظيم حيث المنافسة الشرسة وضرورة استغلال الدقيقة للتدرب وحال فيلبس الجديدة تعني تضاؤل الأمل في المشاركة في أولمبياد بكين، بعد أن أبلى بلاء حسنا في أولمبياد أثينا وكان المرشح الأقوى لنيل ثمان ميداليات ذهبية ولو تحقق هذا لنصب نفسه البطل الأسطوري الأول، حلم كبير على شفا التلاشي وأمنية عظيمة باتت مهددة وآماله ستذهب سدى فماذا عساه فعل؟
من الغد ذهب لحمام السباحة تسبقه الهمة العالية والعزيمة القوية والأمل المتقد عاد ليتدرب!
والسؤال، كيف سيتدرب على السباحة ومعصمه قد غطته الجبيرة ؟ لقد تمدد في أحد الأحواض؛ وقد وضع يده المكسورة في وضعية مريحة ؛ثم بدأ في تدريب عضلات قدميه حيث كان يضرب الماء بشراسة وتحد وقوة بقدميه فماذا حدث بعد هذا!
في اكتوبر وتحديدا في السادس عشر وفي بكين كان بطلنا قد نال ست ميداليات ذهبية ولم يتبق إلا اثنتين حتى يعانق الحلم وفي سباق المائة متر فراشة كان التنافس على أشده بين (فيلبس) وبين (كافيك) وقد حققا تقريبا نفس الزمن وتفوق مايكل بجزء من الثانية، وكان السبب برأي المحللين الذين أعادوا مشاهدة السباق أنه في الخمسة أمتار الأخيرة كان كافيك مجهدا يجر ساقيه؛ بينما قام فيلبس بدفعها بقوة –بفضل تلك التمارين –وهو ما كان السبب في نجاحه!
أيا كنت طالبا أو تاجرا أو سباحا فلا تدع اليأس يغمر روحك مهما حدث، ولا تجعل للإحباط عليك سبيلا مهما كان حجم العقبة وضخامة الحواجز!
تقبل الأوضاع الجديدة وإن كانت مؤلمة بصدر رحب وعقل شاكر، لا تذمرٌ ولا شكوى، واعقد موثقا مع نفسك على أن لا تتوقف ولا تتراجع ولا تنعزل وأن لا تدعها تنتصر عليك أو تسجنك!
واجه الصعاب بهمة عالية ونفس راضية، متسلحا بالأمل، ومرتديا وشاح التفاؤل وواصل المسير بحسب طاقتك وقدراتك وستصل بإذن الله يا عظيم!
إن توجهك الذهني وليس وضعك الجسدي وليس رصيدك البنكي وليس منصبك الوظيفي هو من يقرر ما إذا كنت ستسعد أو تشقى، تنجح أو تفشل وقبل ذلك فالأمر كله بيد الله!
يقول صاحب كتاب الفشل البناء: إن الفرق الفاصل بين من ينمو وينجح وبين من يعيش وينجو فقط هو نوعية استجابتهم لما يواجهون من مشكلات!
فلم يكن البطل مايكل فيلبس يتوقع أن يحدث له ما حدث ولكنها الأقدار فتلك طباع الحياة وهذه أخلاقها، تُباغت وتكر وتفر ولا توفر صغيرا أو كبيرا مشهورا أو مغمورا؛ وما أصدق رؤية الإعلامي والمؤلف الامريكي (دينيس وولي) في نظرته للحياة عندما كتب: عندما تتوقع أن تعاملك الحياة لمجرد كونك شخصا جيدا أو طيبا يشبه أن تتوقع ألا يهاجمك ثورٌ هائج لكونك نباتيا لا تأكل اللحوم! فأيا كنت فعليك أن تحسن التعامل مع جميع المواقف وإن عاندتك الظروف وبنيت أمامك الحواجز, فلا تدع رأسك ينحني, ولا تنزوِ في غرفة مظلمة, بل انهض وفتش عن وسيلة جديدة وطرق أخرى
ومن أروع الكلمات والمشاهد المحفزة حديث الممثل (وليم جميس) في دور العصامي (كريستوفر جاردنر) في فيلم الساعي للسعادة (the pursuit of happiness)وكان يتحدث لابنه ناصحا) لاتدع أحد يخبرك بأنك لا تستطيع فعل شيئا ما, إذا كان لديك حلما فيجب عليك حمايته وقاتل من أجله! إذا أردت شيئا فأذهب للحصول عليه!)
تذكر أنك بمجرد شروعك في السعي لتحقيق الحلم ربما يحصل له مالم يجر في خاطر كما حصل للبطل مايكل فيلبس!
فلا تجعل من تلك اللحظة مثابة النهاية ولا ترفع الراية البيضاء ولا تنسف الحلم وتعيش الألم! فكم من شخص عض أصابع الندم عندما تنازل عن أمنياته وتخلى عن أحلامه وفرط بأهدافه!
قرأت لجون سي ما كسويل مبدأ جميل اسمه مبدأ (التاكسي) وهو يعني أن من الخير لك والأسلم أنك تفاوض أي صاحب تاكسي يريد إيصالك والهدف من هذا هو معرفة الثمن مسبقا دون مفاجآت مستقبلية!
وقد استوقفني كثيرا رد (لاسوردا) مدرب فريق البيسبول لنادي (Los Angeles Dodgers) عندما سٌئل في مقابلة إذاعية بعد أن مني فريقه بهزيمة في أحد الأدوار النهائية،وكان يبدو في روح معنوية عالية رغم الهزيمة مما أثار استغراب المذيع فسأله عن السر فرد عليه: إن أفضل يوم في حياتي عندما أدرب فريقا فائزا وثاني أفضل يوم في حياتي عندما أدرب فريقا خاسرا! إنه الشغف صانع الانتصارات!
كل حلم يا بطل له ثمن تأكد من هذا فاستعد لدفع الثمن وتهيأ لدفع الفاتورة، وثق في أن ما يجعلك تتغلب على العقبات وإكمال السباق للنهاية هو الشغف وهو حالة نفسية أشد قوة وأعظم أثرا من مجرد الرغبة! وإن أردت الفوز ومعانقة الحلم فلن يشفع لك تخيل النتائج فحسب بل بتوقع المشاق والعقبات وهي أمر لازم لابد منه، الشغف يبقي الأحلام حية ويلهم روحك للعمل وهو ماجعل الأديب الدنماركي (كيركجارد) يقول: لو قدر لي تحصيل أمنيات فلن أتمنى المال والجاه والشهرة بل سأتمنى الحسَ الشغوف بالأحلام تلك الروح التي ترى الممكن وتحقق المستحيل)!
ومضة قلم
عندما يمر عليك يوم لم تؤد ما يجب عليك أن تؤديه, يسقط من حياتك!