جاسر عبدالعزيز الجاسر
أضاف الباحثون والمهتَمُّون بتتبع تطور وتوسع التنظيمات الإرهابية عاملاً لزيادة الإقبال على الانضمام لهذه التنظيمات، وإن كانت الإضافة ليست بجديدة، بل أعطوها أفضلية، وجعلوا لها الأقدمية. إذ يرى هؤلاء الباحثون أنَّ الفقر، أو الحاجة قد فرضت، أو أوجدت مهنةً قذرةً امتهَنَها بعض الناس لتأمين لقمة العيش، والحصول على موارد مالية لإعالة المسؤولين عن إعاشتهم من عوائلهم والأفراد المسؤولين عنهم، وهكذا فرضت الحاجة إلى استحداث مهنة، وأنْ غُلفتْ بغلاف إيدولوجي وعقائدي، بأن صُنِّفتْ هذه المهنة كعمل «جهادي»، وأُصبغتْ عليها صفات القدسية، وهو ما استغله منشئو المنظمات والمليشيات الإرهابية. والذي يدرس نشأةَ مليشيات حزب الله في لبنان يجد أن بداية التأسيس كانت باستيعاب شباب المكون المذهبي الذي ركَّز الحزب عليه في ادعاء بأنه يدافع عن مصالح طائفته، وبعد إنشاء الحزب والحصول على ثقة أبناء الطائفة توسَّع في تقديمه للخدمات وبالذات المساعدات المعيشية والصحية والاجتماعية، ثم انتقل الحزب ومن أجل تكوين مليشيات مسلحة تدين للحزب ومن أنشأها من خارج لبنان، جرى استيعاب شباب الطافة بتكوين تشكيلات عسكرية ينخرطون في تنظيمات حزبية عسكرية تُدفع لهم الرواتب وتُوفَّر لهم وظائف لا تخرج عن كونها «مهن قتالية». وهكذا جرى استيعاب معظم شباب الطائفة الذين كانوا يشكِّلون أكبر طبقة من العاطلين عن العمل، وهكذا عُسكر أبناء الطائفة وتكونت مليشيا ظلت تكبر وتتوسع حتى أصبحت تضاهي إن لم تتفوق على الجيش اللبناني الذي هو جيش الدولة، وأصبح لمليشيات حزب الله إدارات متخصصة، وهيئة أركان وفروع طالت تقريباً كل قارات العالم.
هذه التجربة التي نفذها بنجاح الحرس الثوري الإيراني، والذي خصص خبراء وجنرالات بل وحتى أساتذة في تخصصات متنوعة تعدت ما يُقال عن حصر النشاط العسكري والمليشياوي والإرهابي للمنظمات المرتبطة بنظام ملالي إيران، وتجاوزت تخصص «فيلق القدس»، إذ إضافة إلى هذا الذراع الإرهابي هناك دوائر وجهات تعمل وتخطط وتنفذ، وسفارات نظام الملالي تضم خبراء متخصصين لتطوير ومتابعة تنفيذ الخطط التي يضعها الخبراء.
وهكذا، بعد نجاح تجربة عسكرة شباب الطائفة الشيعية في لبنان جرى تعميمها فانتقل التنفيذ إلى العراق، وهذه المرة لم يقتصر الأمر على مليشيا بعينها، إذ تعددت المنظمات والمليشيات بتعدد وتنوع الأحزاب الطائفية، وإن كانت منظمة بدر وهي الذراع الإرهابي لنظام ملالي إيران منذ الحرب العراقية الإيرانية في ثمانيات القرن الماضي، فإن الأمر اتسع بعد ظهور أحزاب طائفية أخرى في العراق، فظهرت مليشيات عصائب الحق التي موَّلها واحتضنها حزب الدعوة الشيعي، وميلشيات حزب الله العراقي، إضافة إلى مليشيات المهدي والتنظيمات العسكرية الأخرى التي ترتبط بالتيار الصدري الذي يقوده الشيخ مقتدى الصدر.
تنوع وكثرة هذه المليشيات التي تكاد تنافس الجيش العراقي سببه أن جميع المنضَمِّين لهذه المليشيات وجدوا عملاً ودخلاً ثابتاً مقابل ممارسة القتل بحسب توجيهات من تصرف وتمول هذه المليشيات، لكثرة المنتسبين لها فكرتْ القوى الطائفية التي أنشأتها باستيعابها في تشكيل مسلح يرتبط بهم، وليس من الضروري أن يكون خاضعاً للدولة فتفتَّقَ ذهنهم عن إنشاء الحشد الشعبي، والذي هو إطار لضم المليشيات الشيعية، تدفع رواتبهم من مال الدولة، وبذلك وجدوا عملاً دائماً للعاطلين من الطائفة الشيعية، وضعهم تحت تصرفهم وقت ما يريدون.
هذا الاستغلال هو ما يره الباحثون والمهتمون بشؤون المنظمات الإرهابية، الفقر وحاجة الإنسان إلى عمل يؤمن لقمة العيش لمن يعوله.