د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عندما تُضاء مصابيح الثقافة في مصانع جديدة، وخلال حراك جديد؛ فثمة هناك سحب جديدة، تُشجينا زمجرة الرعد، ويبهرنا وميض البرق، وننتشي فرحاً حين زخات المطر، وكل ذلك المحيط له أشواقه اللاهفة؛ ليحدثنا عن بضاعة الثقافة عندما تستجلب البيئة أمينها وثمينها؛ وتحولها من أحاديث هامسة إلى حضور وافر متين، ولن أسهب في التمهيد لسرد حكاية الحراك الثقافي حين تسهم في تطوير رؤى الناس؛ وبيئاتهم إلا أنني سوف أنصبُ خيمتي في نطاق ذلك؛ لأروي شهادة حضور لمهرجان وطني جدير بالإشادة؛ ذلكم هو «مهرجان حكايا» في حلته الأولى
الذي صنعت ومضاته، وأقامت منصاته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في يوم الثلاثاء الموافق السابع عشر من ذي القعدة الماضي، المصادف للأول من شهر ديسمبر الحالي، في مركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض؛ واستمر لمدة خمسة أيام كان في كل لحظاته يتأهب ليبث كثيراً من الرسائل تتمثل في نشر أخلاقيات المحافظة على البيئة في قوالب سردية جميلة؛ وتقديم تغذية معرفية في فصول مسرحية كمصهور عقد ذهبي، وإحياء التراث الوطني الشعبي في قوالب الحكاية.
فحين تلقيتُ الدعوة لحضور المهرجان، والاطلاع على مضامين العمل فيه؛ دلفتُ في ذات الزمان ومكانه، فكان للثقافة صوت وجلبة كجلبة المواجهات، تغشى الناس الذين أحاطوا بالمكان، وغطسوا فيه، وما لبثتُ إلا وقد انكشف لي محيطها عناقيد ثقافية متهدلة ؛وإذا بالجلبة صوت مرتادي الثقافة الشجي الذي ينطلق من مكتبة الملك عبدالعزيز العامة؛ وشجو مصانع المبدعين من مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع، وشدو ورش صناعة النص الحكائي وعنوانها البراق (أكتبْ ثم أرسمْ ثم أحركْ) للصغار وآخر ثم (أنتج) حين فضاءات الشباب والكبار.
وقد كانت أرض المهرجان باذخة أيضا، فكأن وجود الأطفال فيه فراشات ملونة على أرض مخملية حمراء؛ وعند ذاك أجريتُ تعديلاً جذرياً على خطتي للاطلاع على حصاد المهرجان؛ واستبدلتُ الوقوف على كل زاوية وركن وورشة للمشاهدة فقط كما هو ديدننا في المهرجانات، فوعدتُ فضولي أن أعرف كيف كان الميلاد؟!!، وكيف كانت تمائم المولود؟!! ومن أسهم في الاحتفاء بميلاده؟!!، ومن جلب عقيقته وفداه بكبش عظيم؟!! فكانت معي في جولتي إحدى زنبقات المهرجان ومن اللاتي أسهمن في صناعة التخطيط له؛ فسردت لي قصة المهرجان، وأهدافه ومنابعه ومحفزات ميلاده الأول، فكان الطرح ينكفئ على حلول سخي ينسج لوحة الحكايا؛ فهو المهرجان الأول من نوعه في الشرق الأوسط الذي يوظف الفن والثقافة لخدمة البيئة وتطويرها؛ كما أنه الأول الذي يُعنى بالنص الحكائي وبنائه رقمياً، ومن أهدافه الدقيقة ربط شرائح المجتمع بالقراءة وخاصة الأطفال؛ وإن كان لجميع الفئات والشرائح نصيب كبير من صناعة المهرجان، كما يحفز المهرجان من خلال الورش على التخيّل والابتكار، والتخييل في صناعة الحكاية، ورسم لوحاتها وتصوير مشاهدها، ومن ثم حفز ميزان المتابعة الذي يخفق له الوجدان المثقف اليوم؛ فنحن عادة ما نزرع البذور على دروب السواقي وننسى تلك الدروب فنضلّ الطريق،كما اعتمد المهرجان هدفاً ثقافياً سامياً هو تنمية روح الحوار والتواصل لدى شرائح المجتمع، وتحفيزهم للقاءات أقرانهم، وما أطيبه من لقاء؛ حتى تشرق شموس الوطن أشعة بيضاء تمثّل لحمة وطنية نقية صافية باعتبار أن الفن بكل أبعاده سبيل لتصحيح انحراف العقل والوجدان؛ وسبيل أيضاً لاحترام المكان وأهله.
تلك الحكايا في مهرجانها تضم آلاف التحايا والأنشطة في أجنحة الأطفال؛ فقد كان الترحيب جذلاً بعودة البرنامج التعليمي الشهير «افتح يا سمسم» بعد لأي مقداره خمس وثلاثون سنة، وتدشين نسخته الثانية عَلى مسرح المهرجان وقد عاد بشخوصه ذاتهم ولكنهم في حلة عصرية جديدة فكان المسرح يردد «افتح يا سمسم أبوابك نحن الأطفال افتح واستقبل أصحابك نحن الأطفال».
وفي فضاءات المهرجان كان هناك أصوات حسبتها مغلفة منذ زمن أسلافنا حين القص الشعبي؛ فإذا بها منصات ترتكز في بعض ممرات المهرجان تسمى مجازاً «مقهى الحكواتي» يتربع عليها من القصاص الشعبيين من يسرد أعذب الحكايا والقص الشعبي ويترنم:
يقول من عدّا على راس عالي
رجم طويل يدهله كل قرناس
لاخاب ظني في الرفيق الموالي
مالي مشاريهٍ على نايب الناس
يا عَلّ قصر ما يجي له ظلالي
ينهد من عالي مبانيه للساس
لا صار مهوب مدهل للرجال
وملجا لمن هو يشتكي الضيم والباس
وبعد هذه حكاية مهرجان الحكايا؛ ولعل حكايا أخرى تنطلق في ربوع بلادنا، ومحاضن أخرى تصطفي ذلك الظلال الوارف الذي دَنا فتدلّى، حيث إن بعض القطاعات ذات شأن مباشر بصناعة ثقافة الحكاية الرقمية والمطبوعة مثل الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون ووزارة الثقافة والإعلام ووزارة التعليم في النشاط اللا منهجي للطلاب خاصة المراحل العمرية الصغيرة.