عبد الله باخشوين
.. تُعَدُّ كوريا الشمالية نظاماً دكتاتورياً استثنائياً.. كرَّس كل طاقاته وإمكاناته لحشد كل سكانه لفلسفة خاصة تقوم على الحشد العسكري.. يغذي العداء المتوارث ضد كوريا الجنوبية المتطورة والموالية لرأسمالية أمريكا والغرب.
وقد ورث الرئيس الكوري الشمالي هذا العداء عن أبيه وجده كيم آل سونق، الذي أسس قاعدة العداء على خلفية الصراع الشيوعي الرأسمالي.. وإشكاليات حرب فيتنام.. وحروب الهند الصينية، بدعم غير محدود من الاتحاد السوفياتي والصين على السواء.. وبنى ترسانة عسكرية تتوجها قنبلة نووية.. نقلت تكنولوجيا صناعتها من روسيا والصين.. وأصبحت متفوقة في صناعة الصواريخ وأسلحة حروب العصابات، وفي ظل نظام شديد الغرابة ورث الحفيد عن أبويه ما جعله يصبح أصغر حاكم مطلق في العالم.
وعندما عقد الرئيس الأمريكي بل كلنتون اتفاقاً مع كوريا الشمالية بهدف منعها من بناء قنبلة نووية، لأنها دولة إن لم تكن عدوة فهي ليست صديقة، ولا يخضع نظامها لأي مفهوم ديمقراطي مؤسساتي مكتسب من الغرب ويمكن الاعتماد عليه والوثوق فيه فيما يتعلق باتخاذ القرار السياسي والعسكري.. لم تلتزم كوريا الشمالية وبنت سلاحها النووي.. وقبلها فعلت الباكستان لحسم صراعها مع الهند.. على أرضية ثبات ميزان القوى.. الذي يمنع الدولتين حتى من مجرد التفكير في اللجوء لاستخدام مثل هذا السلاح.
إن الهند وباكستان يحكمهما نظام ديمقراطي متعدد الأحزاب يحول دون فردية اتخاذ القرار في الأمور الإستراتيجية.
عند هذه النقطة تحديداً.. يبدأ رفض الحزب الجمهوري الأمريكي للاتفاق مع إيران حول سلاحها النووي المخطط له، لأن إيران نظام غير ديمقراطي ويخضع القرار فيه لسلطة فردية سواء من الناحية الدينية (دولة تبنى مفهوم الجعفرية الإثني عشرية)، ومن الناحية السياسية..حيث لا توجد أحزاب أو تيارات معارضة يمكن أن تشارك في أي قرار إستراتيجي.. يتعلق في الحرب والسلم.. خصوصاً أن المرجعية الدينية قد حددت ومنذ زمن بعيد هوية أعداء الثورة الإسلامية.. وكان أول شعار رفعته هو:
- (الموت لأمريكا)
لكن بالنظر إلى طبيعة أطماع الحزب الجمهوري التي تريد أن تهيمن على سلطة القرار في الشرق الأوسط.. فإن كل العرب المؤيدين لسياسة الحزب الجمهوري يقعون في خطأ بالغ الفداحة.. لأن سياسة هذا الحزب هدفها الرئيس هو تغيير كل أنظمة الشرق الأوسط بهدف جلب العملاء والأصدقاء والموالين لسياسة الحزب إلى سدة الحكم ليكونوا هم الذراع القوي الذي ينفذ كل أطماع الجمهوريين، ولكن بإدارة محلية تنفذ وتطيع.
غير أن الاتفاق الأخير مع إيران حوَّل سلاحها النووي.. في حال تطبيقه بحزم يحرم إيران من صنع أي سلاح.. هذا اتفاق جيد بالمقاييس الدولية.. وحتى لو أفرج عن المال الإيراني المجمَّد.. فإن هذا سيدفع إيران لإعادة النظر في عداواتها وأحلافها.. على أرضية ميزان القوى المتعادلة.. سوف تزول غطرسة إيران.. وتصبح الأرضية التي تؤسس عليها مصالحها تقوم على الحوار وليس على التهديد والوعيد.
ويحول دون ساسة الحزب الجمهوري - وتنفيذ مخططاتهم المرسومة للشرق الأوسط.. التي تريد أن تجد الحجج الكافية لتقوم بتفكيك الدول الموالية والمعادية لإعادة تأسيس مصالحها الإستراتجية التي تريد أن تبني دول بطريقة ((الاستعمار الديمقراطي)) أن ميزان القوى يكاد يكون ثابتاً بين الدول النووية، بين الهند وباكستان وبين الكوريتين.. لكنه غير متعادل في منطقة الشرق الأوسط لأن إسرائيل التي تمتلك سلاحاً نووياً.. يخضع بدوره للقرار الجماعي وليس لأي ميول أو أهواء فردية.. وقد أسهم تمزق الدول العربية بعد الربيع العربي لتأكيد هوية من يجب أن يمتلك مثل هذا السلاح المدمر.
وكثير من العرب المخلصين لا يريدون وجود سلاح نووي في منطقة الشرق الأوسط، ويريدون إقامة العدل والسلام.. بعيداً عن الطموح الجمهوري.. وبعيداً عن التطرف الإسلامي.. لذلك فإن الهم المستقبلي لا يحسمه إلا الحوار والعمل على إعادة مفهوم حسن الجوار إلى مساره الصحيح، الذي يقوم على استقلالية قرارات الدول وعدم خضوعها لاستعمار جديد.. مهما كانت جنسيته أو هويته وطموحات وأحلام منفذيه.