جاسر عبدالعزيز الجاسر
رغم حرص رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على مواصلة قراراته الإصلاحية، إلاّ أنها ظلت في إطار التصريحات ولم تأخذ طريقها للتنفيذ، بل إنّ بعضها تم التراجع عنه كقرار فتح المنطقة الخضراء والذي وإنْ أعلن عنه منذ أكثر من أسبوعين، إلاّ أنّ القرار ظل دون تنفيذ، كما أنّ قرار إلغاء مناصب نواب الرئيس ونواب رئيس الحكومة لم يفعّل، وبقي النواب يستعملون مسمّى المنصب والتمتع بالصلاحيات، مثلما يفعل نوري المالكي الذي يقول إنّ رئيس الجمهورية فؤاد معصوم لم يصدر قراراً بإلغاء المناصب.
أيضاً تواجه قرارات حيدر العبادي تجاهلاً من قِبل حلفائه قادة الأحزاب الطائفية، الذين يرون أنّ القرارات تحدُّ كثيراً من الامتيازات التي حصلوا عليها نتيجة تفرُّدهم بالحكم، وهم وإنْ أظهروا تأييداً صامتاً لهذه القرارات، إلاّ أنّ تحركاتهم تحدُّ من تنفيذها وتعرقلها وخاصة تيار نوري المالكي في حزب الدعوة الذين يشكلون ضغطاً في التحالف الوطني الشيعي، وقد أدى ذلك إلى تجميد العديد من عمل الحكومة وبالذات عمليات مواجهة تمدُّد تنظيم داعش، حيث يلاحظ أنّ حملة تخليص محافظتي الأنبار ونينوي قد توقفت تقريباً. وهدف تيار المالكي في التحالف الشيعي هو إضعاف حكومة حيد العبادي وإسقاطها، وقد بدأت الأصوات داخل التحالف تطالب بإجراء انتخابات مبكرة وتحويل الحكومة العراقية الحالية إلى حكومة تصريف أعمال، والهدف هو منع حيدر العبادي من إصدار قرارات أخرى.
كل هذه المناورات تقوم بها الأحزاب الشيعية، وبالذات حزب الدعوة الذي لم يشفع انتماء حيدر العبادي وكثير من الوزراء له، إذ إنّ جماعة نوري المالكي في الحزب الذي يخضع لتوجيهات الممسكين بالملف العراقي في نظام ملالي إيران بقيادة قاسم سليماني، يرون في إصلاحات حيدر العبادي خروجاً عن التوجيه الإيراني، ويعترضون بشدة على محاكمة المفسدين، إذ يرون فيها محاكمة للنهج الإيراني. ولأنّ الإيرانيين وجماعة نوري المالكي من حزب الدعوة وحتى أحزاب الثورة الإسلامية برئاسة عمار الحكيم، ومنظمة بدر برئاسة هادي العامري وما يسمّى بعصائب الحق برئاسة خضير الخزعلي، لا تستطيع إعلان رفضها لإصلاحات العبادي لأنّ الشعب يؤيدها ويدعمها، كما أنّ المرجعية الشيعية تؤيدها وتدعو لاستمرارها، فإنها بدلاً من مواجهة إصلاحات العبادي علنياً، تقوم بأعمال لإضعاف حيدر العبادي وحكومته، وتقوية مراكز القوى التي تدعم التيارات والجماعات التي تدعم النفوذ الإيراني. ومن أهم هذه المراكز تقوية وفرض مليشيات الحشد الشعبي الذي يسميه العراقيون الحشد الشيعي الذي أصبح تجميعاً للمليشيات الشيعية، التي أصبحت تواجه القوات الحكومية الرسمية كأجهزة الأمن، مثلما فعلت مليشيات ما يسمّى بحزب الله العراقي التي شكّلت «كتائب الموت»، والتي اختطفت عدداً من المهندسين الأتراك للضغط على مليشيا سورية تحاصر قريتين شيعيتين سوريتين في سوريا، وهو ما يرى فيه العراقيون خلطاً لمهام هذه المليشيات التي تضع المصالح الطائفية على حساب المصالح الوطنية.
تقوية وتوسيع مهام الحشد الشيعي والذي أخذت قياداته التي يتقدمها هادي العامري الذي ينتمي لتيار ولي الفقيه الإيراني، والذي يحمل رئيسه رتبة جنرال في الحرس الثوري، تتخذ قرارات وإجراءات لا تحظى بموافقة الحكومة العراقية، وأن الهدف من توسيع وتقوية الحشد الشيعي مع عرقلة إصدار قانون الحرس الوطني لمنع مشاركة أهل السنّة في أي قوة عسكرية رسمية، هدفه هو إنشاء جيش طائفي سيكون موازياً للجيش العراقي، وأن يتفوق عليه استنساخاً للتجربة الإيرانية، حيث فرض الحرس الثوري الإيراني كقوة عسكرية موازية، والتي أصبحت القوة الأكثر تأثيراً وتتقدم على الجيش الإيراني وتضم إلى مهامها العسكرية مهاماً اقتصادية وحتى سياسية واستخباراتية خارج إيران. وهكذا فإنّ المؤيدين لنظام ملالي إيراني يعملون على تحويل الحشد الشيعي إلى قوة عسكرية وسياسية رافضة تقود العمل الطائفي في العراق، وهو ما سيفرز معارضة قوية من قِبل العرب السنّة والأكراد لهذا التوجه، قد يصل إلى درجة الصدام العسكري، فضلاً عن خلافات سياسية، مما يؤدي إلى إضعاف حكومة حيدر العبادي وإبعاده عن المشهد السياسي العراقي.