فضل بن سعد البوعينين
ليس بالأمر الهين؛ تضحية المزارع أو المستثمر بمزرعته؛ ومطالبته إتلافها طوعًا. عندما ترتفع درجات الخطر لتطول ثروة النخيل التي تمثل جزءًا مهمًا من أمننا الغذائي تتهاوى دونها المصالح الشخصية؛ في مقابل المصلحة العامة. أكثر من مليون نخلة في الجوف باتت مهددة بآفة سوسة النخيل الحمراء ما حمل بعض المزارعين على مطالبة وزارة الزراعة بسرعة مكافحتها ووقف انتشارها.
المزارع «عبدالرحمن عياش الزيد»؛ أكَّد في تصريحات صحفية أنه أول المتضررين من السوسة وأنه «على استعداد لكل ما تراه مديرية الزراعة مناسبًا للقضاء على هذه الحشرة حتى لو استدعى الأمر إتلاف المزرعة بالكامل، لحماية مزارع المنطقة». المزارع الزيد طرح الحل الأمثل لمكافحة سوسة النخيل؛ الذي لم تأخذ به الوزارة بداية ظهور الآفة؛ ولو فعلت لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. فالإتلاف كان الحل الناجع والوحيد القادر على استئصالها؛ غير أن الوزارة ربما ترددت في اتخاذ القرار مع بداية ظهورها؛ اعتقادًا بقدرة برامجها الخجولة على مكافحتها.
«سوسة النخيل» كالسرطان الذي يفتك بأشجار النخيل المثمرة فيحيلها إلى إعجاز خاوية. لا يتوقف خطر الآفة عند تدمير النخلة المصابة بل يتجاوزها إلى باقي النخيل في محيط المزرعة الحاضنة، والمزارع المجاورة. نقل فسائل النخيل الموبوءة، إلى مناطق سليمة ساعد في انتشار الحشرة القاتلة في مناطق المملكة البعيدة وهو أمر تتحمله الوزارة والجهات الأمنية المسؤولة عن تطبيق الحظر. تدني مستوى الثقافة، والوعي بأضرار «سوسة النخيل» وطرق انتقالها، أدى إلى تفاقم المشكلة حتى باتت السيطرة عليها شبه مستحيلة.
في القصيم؛ كان ظهور «سوسة النخيل» محصورًا في أربع مزارع تقريبًا؛ ولو قامت الوزارة أن ذاك بإتلافها؛ وتعويض الملاك؛ لما تحولت «السوسة الحمراء» إلى آفة تهدد مزارع القصيم؛ ولما انتقلت إلى الجوف والمناطق الأخرى التي ربما أصيبت لأسباب مرتبطة بالنقل. لا خلاف على أن المنطقة الشرقية كانت الحاضنة لسوسة النخيل؛ غير أن وصولها المفاجئ لمنطقة تبوك؛ والخرج والقصيم والجوف وباقي المناطق الأخرى كشف عن تدني كفاءة برامج المكافحة والوقاية التي استنزفت ميزانيات ضخمة خلال العقدين الماضيين. ثلاثون عامًا مضت على اكتشاف سوسة النخيل دون أن تتمكن وزارة الزراعة من القضاء عليها؛ أو محاصرتها في مكان ظهورها الأول. لم تدخر الحكومة جهدًا في الإنفاق بسخاء على برامج المكافحة؛ وتوفير كامل الدعم للوزارة؛ إلا أن نتائج برامجها كانت مخيبة للآمال. ربما كانت أموال المكافحة المُنفقة خلال العقدين الماضيين كافية لإبادة المزارع الموبوءة بأكملها؛ وتعويض ملاكها؛ وإحلال أجود أنواع النخيل بدلاً منها.
اليوم أصدر خادم الحرمين الشريفين أمرًا بتخصيص مبلغ مالي بنحو 1.7 مليار ريال لبرنامج مكافحة سوسة النخيل الحمراء والحد من مخاطرها وفق آلية معينة وجدولة تمتد إلى 5 سنوات. أعتقد أننا في أمس الحاجة إلى مراجعة أخطاء البرامج المنفذة؛ والاعتراف بها؛ واستبدالها بمشروع آخر يعتمد تنفيذه على شركات عالمية متخصصة في مكافحة سوسة النخيل وفق مدة زمنية محددة ونتائج معروفة سلفًا. للولايات المتحدة الأمريكية تجربة رائدة في القضاء على «السوسة الحمراء» يمكن الاستفادة منها؛ ومن الخبراء العاملين فيها. نحن في أمس الحاجة للاستفادة من مراكز الأبحاث العالمية، والشركات المتخصصة لضمان النتائج.
يفترض أن يكون هدف وزير الزراعة الرئيس؛ في سنوات توزيره الأولى؛ القضاء على «السوسة الحمراء»؛ فهي الآفة التي توشك أن تقضي على أهم مكونات أمننا الغذائي؛ إضافة إلى ما تتسبب به من خسائر اقتصادية فادحة للمزارعين والمستثمرين واقتصاديات المناطق التي تعتمد بشكل رئيس على زراعة النخيل.